ضغط أحداث مسلسل (فاتن أمل حربي) على وترٍ حساس يُنكر رغم زيادته المستمرة في المجتمع، وقد استُلهِمت معظم أحداثه من ملفات و قضايا محاكم الأسرة فيما يخص الطلاق وتعنيف المرأة وهذا ما آثار اعجابي على الفور وقررت متابعته.
في البداية لم أعرف أكان المشهد عُرسًا أم أن البطلة "فاتن أمل حربي" مدعوة لزفاف أحدهم، ولكنه كان حفل طلاقها من زوجها، وهذا ما تعجبت منه فقلما ما أحد في واقعي يحتفل بالطلاق وكأنه محمود بهذا الشكل!
تابعت المسلسل وأشعر بالفرحة فهناك من يشاركني منطقي في أن الطلاق ليس نهاية الكون ولا العالم، هو فقط بداية لحياة جديدة أفضل حالًا مما كانت عليه فيما سبق، وبمتابعة الحلقات سعدتُ لنشر معلومات عن مراكز استضافة النساء المعنفات دون مقابل و تسليط الضوء على، ظلم أنواع من الرجال لزوجته و تعمده كسر كرامتها ليس اكثر، بالرغم من أن ما يوجد وراء الكواليس أعظم مما تم عرضه بكثير.
نجحت فاتن، أو "تونة" كما يلقبها الجميع في المسلسل في تحريك عواطفي تجاه ما تعرضت له من مظالم كامرأة فاض بها الكيل وقررت أن تصرخ مطالبة بحقوقها وحقوق بناتها، بدايُة من تحملها زوجها والتعنيف الذي تعرضت له، وتحملها ما حدث بعد طلاقها وسعيها المستمر في قضيتها ونظرها لقضايا غيرها من النساء وصولًا لثورتها في وجه الشيخ يحيي عندما طالبته بآية صريحة عن حضانة الزوجة حتى بعد زواجها من رجل آخر، إلا أنني أدركت أن المقصود هنا ليس المرأة و حقوقها، بل دس السم في العسل أيضًا.
"إبراهيم عيسى" كاتب المسلسل يقدم نفسه كباحث وكاتب يدعو لتجديد الخطاب الديني، وظهرت آراءه في عدة مشاهد كتصويره للشيخ الأزهري على أنه متردد غير واثق و أنه ملقن لما هو موجود دون إعمال عقله، وتصوير آخر لشيخ آخر وهو يؤيد تعنيف النساء واعتماده هذا الحل ليزيد مكسبه بل واعتباره النسوية إحدى تقاليع الخلع و ليس من طرق المطالبة بالحقوق المهضومة.
رد عليه بيان لمركز الفتوى التابع للأزهر الشريف، قال فيه: "إن تعمد تقديم عالم الدين الإسلامي بعمامته الأزهرية البيضاء في صورة الجاهل، الإمعة، معدوم المروءة، دنيء النفس، عَيِي اللسان -في بعض الأعمال الفنية- تنمر مستنكر، وتشويه مقصود مرفوض، لا ينال من العلماء بقدر ما ينال من منتقصيهم، ولا يتناسب وتوقير شعب مصر العظيم لعلماء الدين ورجاله".
وما جعلني اتمعن في سؤال فاتن عن وجود آية صريحة تمنع حضانة الزوجة للأبناء بعد زواجها مستندة على أن الله -عز و جل- لن يحرم أمًا من ابناءها، فإن إعادة النظر في سؤالها، وما يشبهه من أسئلة، تجد أن كتاب الله مثالا لم يحدد عدد ركعات الصلوات في آيات صريحة، ولكن حددت في السنة النبوية، وكثير من القضايا لم نجد آيات صريحة وشرحت بتفسير الفقهاء والعلماء والدارسين.
وأحد الحلول الوهمية التي أضحكتني هي اتصال غريب لتونة وحقيبة بمليون جنيه أمام باب غرفتها، هل كان جادًا عندما كتب هذا المشهد على أنه حل لإيجاد حياة أفضل؟ أم كان قصد انه حل فهو حل هزلي بعيد منتهى البعد عن الحالات التي نراها يوميًا في محاكم الأسرة! فإن كانت فاتن حالة من ملايين الحالات فكم مليون يحتاجن لحل مشاكلهن جميعًا؟
تمنيت لو تم عرض فكرة المسلسل وحال النساء المعنفات بطريقة أكثر شفافية ومصداقية أو على الأقل حلول منطقية دون دس أفكار الكاتب وثورته بين السطور، ولكن للأسف تراجعت طموحاتي وبقي قليل منها على أمل استكمال القضية وعرض مشكلات المطلقات بشكل جيد.