لا يزال مسجد "منصور حمادة" إلى الآن يستقبل رواده، على الرغم من مرور نحو 150 عام على إنشائه، وبسبب تطوير المسجد بتبرعات أهل أسوان صار قائمًا في أبهى صورة له.
داخل أحد أقدم مناطق مدينة أسوان المُسمّاة بـ"عباس فريد"، التي تضم بيت الكاتب عباس محمود العقاد، قرر رجل صالح يُدعى "منصور حمادة" بناء مسجدًا على مساحة 300 متر، ليستمر تطوير المسجد طوال تلك السنوات، بحسب ما يقول سعودي محمد مرزوق، كبير أئمة مديرية الأوقاف سابقًا، وإمام مسجد منصور حمادة منذ عام 1988 وحتى الآن.
مكان لندوات اللغة والشعر
في السابق كان المسجد يُطلّ على النيل مباشرة، بحسب ما ذكر مرزوق، لكن حاليًا لا يُرى النيل بسبب المباني التي انتشرت حوله، وبُني المسجد على هيئة قباب، ويوجد خلفه سندرة كانت تُستخدم لإقامة ندوات لأهل اللغة والشعراء وتلاميذ العقاد، مما جعل دور المسجد لا يقتصر على كونه مكان للعبادة فقط، بل لإثراء اللغة العربية أيضًا.
ومنذ تولي مرزوق الإمامة في عام 1988 بدأ تطوير المسجد وفقًا للحاجة، حتى عام 2007 الذي جرى فيه توسعة رأسية وأفقية، وأصبح المسجد يتكون من 4 أدوار؛ البدروم عبارة عن مكان الوضوء والحمامات التي تتكون من 24 حمام و5 مباول، ويبلغ مساحته حوالي 320 متر.
تبلغ مساحة الدور الأول 600 متر وفيه مصلى الرجال، فضلًا عن السلالم والمناور وصحن واسع به شخشيخة، وهي فتحة هندسية في وسط السقف يرتفع سقفها عن بقية السقف، ويُستخدم الصحن كمكان للصلاة في أوقات الزحام، بالإضافة إلى مئذنة وقبة وجدران مُبطنة بالرخام بطول 180 سم.
ويقول مرزوق إن الدور الأول لا يقتصر على ذلك فقط، بل يوجد فيه أيضًا مركز رسمي لتخريج محفظين ومحفظات القرآن الكريم.
وافتتح المركز عام 2019 على يد وكيل مديرية الأوقاف، كما يشير مرزوق، الذي طالب وزارة الأوقاف بأن يُقام المركز داخل مسجد منصور حمادة "الوزارة طلبت بإنشاء مراكز لتخريج المحفظين على مستوى المحافظات، وطالبت إنه يكون بالمسجد"، ويشرف على المركز أساتذة من كلية الدراسات الإسلامية وكبار الشيوخ والعلماء من الأزهر والأوقاف في جميع التخصصات، سواء كان لغة أو فقه أو سنة أو سيرة أو قراءات، ويُختار عن طريق المديرية.
ويتكون الدور الثاني من سندرة تُستخدم للصلاة في أوقات الزحام، كما تُدار كمكان لجلسات الصلح، ويوجد في الدور الثالث أيضًا مكتب إمام المسجد، وفي الدور الثالث مصلى السيدات الذي يستخدم في تحفيظ القرآن الكريم أيضًا، أما السطح فيُستخدم في الاحتفالات، وتمتاز عمارة المسجد بأنها عمارة حديثة ذات طابع إسلامي، كما أوضح مرزوق.
50 حافظة قرآن تتخرج سنويًا
جرى تطوير المسجد بتبرعات أهل أسوان، وبلغت تكلفة بنائه نحو 2 مليون جنيهًا، ويتذكر مرزوق حين افتتاحه "علم محافظ أسوان وقتها مصطفى السيد بأن علينا مديونية للموّردين تزيد عن 30 ألف جنيه سددها من ميزانية المحافظة".
يقام بالمسجد فعاليات كثيرة منها تهيئة حفظة القرآن الكريم، خاصة السيدات، وذلك عن طريق تعلم أحكام تلاوة القرآن الكريم لمدة 10 شهور، وتتخرج نحو 50 سيدة كل عام، وذلك بجانب التحفيظ المستمر طوال العام، وأشار مرزوق أن الفعاليات يُعلن عنها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
لا يقتصر دور المسجد على ذلك فحسب، بل إن له دور أكبر يسع تعليم الأطفال، حيث أشرف مرزوق منذ عام 1989 على تكوين مجموعات للدروس الخصوصية بسعر مُخفض. بعدها طالب الوزارة بتأجير ملحق خارجي للدروس الخصوصية. بالفعل أقيم مكان يبعد قليلًا عن المسجد للدروس، وتُكلّف المواد جميعها للتلميذ 150 جنيهًا فقط "وهذا المبلغ المادي لتغطية نفقات المكان وفواتير الماء والكهرباء".
يُثري مرزوق المسجد بالدروس القصيرة التي يُلقيها بعد صلاة العصر، ويُساعده في ذلك تلاميذه والشيوخ القادمين من الأزهر والأوقاف بحسب خطة المديرية "وهذا ما أشجّعه لتجديد الدماء وتقليل الملل بين رواد المسجد"، وعلى الرغم من وصول مرزوق لسن الستين إلا أنه لا يزال إمام المسجد الذي يقوم به تطوعًا، ولسد العجز الموجود في عدد الأئمة على مستوى المديرية.
احتفالات دينية
توجد عدد من الليالي المهمة التي يتزيّن فيها المسجد لرواده بأكثر مما هو عليه، حيث تُقام الاحتفالات بالليالي الكبرى في رمضان منها ليلة 17 رمضان، وهي ذكرى انتصار معركة بدر، وليلة 20 رمضان وهي ذكرى فتح مكة، وفيه تتكرّم الحافظات وكل من أنهى أحكام التلاوة بعد دخول الامتحان.
ويُعد 27 رمضان الليلة الكبرى، فهي ليلة القدر، وتستمر الصلاة طوال الليل، فبعد التراويح يقرأ أحد الشيوخ القرآن الكريم، وبعدها صلاة التسابيح في منتصف الليل، وصلاة قضاء الحاجة ثم قيام الليل، وتستمر الليلة بالسحور ثم صلاة الفجر، وتنتهي بالتسبيح والأذكار حتى صلاة الضحى.