وسط أرفف مليئة بالأحذية، يجلس عم لوثر أمام الماكينة، داخل محله الصغير بشارع المدارس، ممسكًا بحذاء يقوم بتصليحه، ثم تعلو وجهه ابتسامة كبيرة، عندما يأت صاحب الحذاء لاستلامه، فيخرج لوثر من المحل، ويعطي الحذاء لصاحبه، وكأنه جديدًا، لم يمسه خدش.
يعتبر لوثر لويس، 54 عامًا، واحدًا من القلائل الذين يمتهنون إصلاح الأحذية في محافظة أسوان، فيتكيء لوثر على إحدى أرفف محله مبتسمًا، ويقول لـ"عين الأسواني": "تعلمت الصنعة في السبعينات، من شدة حبي لوالدي، فكانت هذه هي مهنته، وكنت أبلغ من العمر وقتها 7 سنوات فقط، وعندما كبرت، أردت إكمال تعليمي، والحصول على دبلوم منشآت معمارية".
وأضاف: "احتاجني والدي للعمل معه في المحل، وأقنعني بالبقاء وعدم إكمال دراستي، وأعطاني راتبًا شهريًا، بلغ 100 جنيهًا، في حين كان يحصل الموظف وقتها على راتب 40 جنيهًا شهريًا فقط".
كان يعمل لوثر ووالده في فترة السبعينات، على إصلاح الأحذية يدويًا، واستمر ذلك حتى حقبة الثمانينات، عندما اشترى الوالد ماكينتين جديدتين، لاستخدامهما في المحل، بدلًا من الاضطرار إلى الذهاب إلى "المكنجي"، كما وصفه لوثر.
لم يقتصر عمل محال الأحذية في الثمانينات على إصلاحها فقط، بل كانت تعمل على تفصيل الأحذية أيضًا، فيشرح لوثر مراحل صناعة الحذاء قائلًا: “كنا نذهب في البداية إلى المكنجي، وهو صاحب ورشة متخصص في تقطيع الجلد، وفقًا لمقاييس محددة حسب الموديل والمقاس المطلوب، وبعدها، يبدأ دورنا في تجميع قطع الجلد على شكل قالب".
يشد لوثر وجه الحذاء على القالب، ويضغط قطع الجلد بالمكبس، بعد لصقها بالكولّة، على أن تكون المقاسات محددة ودقيقة في التصميم، ويستلمها الزبون الذي دفع 100 جنيهًا كعربون، بعد 10 أو 15 يومًا، ليقوم بتجربة حذاؤه الجديد، ورؤية ما إذا كان مريحًا لقدمه أم لا، لأن لوثر يرفع في محله شعار، راحة الجسم تبدأ من القدمين.
يشتري لوثر جميع المواد التي يحتاجها لتصنيع وإصلاح الأحذية من القاهرة، وذلك لعدم توافرها في أسوان، وعلى رأس هذه المواد، الفروش، النعال، اللاصق الأحمر والأبيض، والجلود، مثل الجلد الجملي، سكاي، والجلد البقري، الذي يعد أغلى أنواع الجلود، حيث يصنع منه أفضل الأحذية، التي تتراوح سعرها ما بين 300 إلى 600 جنيهًا.
مرت العقود، ولم تعد صناعة الأحذية رائجة كما كانت في السابق، فأصبح يفضّل أغلب الناس، شراء الأحذية الجاهزة، فيوضح لوثر: "نادرًا ما يأت للمحل زبونًا يريد تفصيل حذاءا جديد، فالكل اتجه لشراء الجاهز، لتنوع أشكال الأحذية، بالرغم من أن التفصيل أمتن بالنسبة للخامة، فهو يعيش مع الزبون، لمدة قد تصل إلى 3 سنوات، على عكس الحذاء الجاهز، الذي من الممكن أن ينقطع ويتلف خلال 3 أيام فقط من ارتداؤه".
بجانب تصدّر الأحذية الجاهزة للسوق، يواجه لوثر بعض التحديات الأخرى، مثل تضاعف أسعار المواد الخام، خاصة بعد أزمة ارتفاع الدولار الأخيرة، هذا بالإضافة إلى اضطراره لغلق المحل، والسفر إلى القاهرة، لشراء المواد التي يحتاجها بنفسه.
وعلى عكس القاهرة، التي لديها الإمكانيات لتقديم العديد من الورش لتعليم جيلًا جديدًا، حرفة صناعة الأحذية، تعاني أسوان من صعوبة توفير أيدي عاملة، قادرة على تعلّم الصنعة، التي تحتاج إلى دقة ومهارة، حيث يفضل الشباب حاليًا، العمل في مهنة سهلة، ذات مكسب سريع، فيقول لوثر: "حرفة صانع وإصلاح الأحذية في أسوان للأسف شارفت على الاندثار".
تصوير: أمنية حسن
-
لوثر لويس وإصلاح الأحذية.. حكاية حرفة شارفت على الإندثار