يجلس الطفل -محمود حسين شلالي- على ضفاف نهر النيل سارحا في حلمه القديم الذي أوشك أن يصبح حقيقة، طفل من قرية غرب سهيل يعشق النيل مثل أصدقائه وجيرانه، يحب اللعب على شاطئ نهر النيل العظيم :” النيل جوا قلوبنا كلنا هنا، حياتنا وعيشتنا"، منذ أن كبر وهو يحلم أن يقتني "الجريدي" وهي أشهر لعبة يحرص الأطفال على اقتنائها في منطقة النوبة، و يُطلَق لفظ "الجريدي" على المراكب الصغيرة، التي كان يستخدمها سكان الجزر النوبية كوسيلة للتنقل الداخلي السريع، لتصبح فيما بعد وسيلة ترفيه الأطفال في المنطقة.
يذهب إلى والده دائما يرجوه أن يدعه يمتلك “الجريدي” وهو صانع محترف لتراث الأجداد، يوافق الأب، ويشرح لعين الأسواني كيف تصنع الجريدي؟
يخبرنا والده -حسين شلالي ـ من سكان جزيرة سهيل وأحد صناع الجريدي ـ أنه يُصنع من الصفيح وخشب شجر السنط، ويكون للراكب الصغير من ثلاث صفائح، وللراكبين من أربعة.
ويكمل: "توضع الصفائح على كل جانب، وتُقوى من الأمام بقطعة خشب تسمى (المُقدم) مع إضافة (الأترابل) و(الدّلكى) أسفل وأمام الجريدي حتى تتثبت ألواح الصفيح ببعضها".
في الماضي؛ كان يتم لصق الجريدي بـ(برشام) أي شريحة ألمونيوم توضع بين لوحتين من الصفيح، ويطرق عليها لتُلحم بالضغط؛ لكن اللصق الآن يتم بالماكينات الآلية.
يضيف الأب الحائر بين صناعته ومهنته المحبوبة وبين خوفه وقلقه على ولده: "الإبحار بالجريدي يتطلب مهارة فأي شخص غير نوبي لا يستطيع التحكم في الجريدي في مياه النيل، كما لا يسمح لأي طفل بركوبه دون تعلم العوم، ويستعمل الأطفال أيديهم للتجديف بدلًا من المجداف، فلا يوجد مكان له في الجريدي لصغر حجمه؛ إلا أن بعض المصنوع لشخصين قد يحتوي على مكان للمجداف".
يٌعتبر الجريدي جزء من التراث النوبي، تُقام له المسابقات سنويًا، ويتنافس في الإبحار به أطفال القرى، كما أنه لم يختلف شكل الجريدي عن الماضي كثيرًا؛ لكن أطفال قرى جزيرة أسوان، وجبل تقوق، يستخدمون بدلًا منه لوحًا يشبه الشراع من (الفايبر)، ويبحرون به بجوار المراكب السياحية يغنون للسائحين.