بالقرب من ميدان الزالبية، بشارع كسر الحجر، جهة الشمال، يقع محل صغير ذو أرضية منخفضة عن الشارع بين المحالت المصطفة، أعاله
يافطة تحمل اسم "ساعاتي الوحدة"، خلف "فاترينة" المحل تجلس "نادية محمود" 54 عاما، بين القطع الصغيرة والعدسة المكبرة، ممسكة بساعة
.يد طلب أحد زبائنها تصليحها، وفي أقل من ثالث دقائق، تعيدها وهي تعمل من جديد لصاحبها، بعد فك وتركيب الساعة لمعرفة سبب العطل
إحنا معروفين هنا من زمان من أيام السبعينات" تروي "نادية" عن سنوات عملها في تصليح الساعات بأنواعها المختلفة، الصنعة التي ورثتها"
.من والدها، فهي الوحيدة من إخوتها التي استمرت في امتهانها
بعد انتهاء تعليمها الفني في الثمانينيات، شعرت "نادية" بالملل من جلوسها بالمنزل لفترة طويلة، فقررت الجلوس مع والدها بالمحل، لتسلية
.وقتها
البداية بدأت بالفضول ومحاولة تجربة فك ساعة يد؛ لمعرفة أجزائها الداخلية، من التروس والدوائر، وتوضح "نادية" قائلة "لدي هواية حب
التصليح مثل والدي، فمنزلنا لم يدخله صنايعي، كنت أنا وإخوتي مع والدي يًدا بيد في السباكة والكهرباء وغيرهما، وعندما قررت االستمرار،
.رحب والدي برغبتي في الدخول إلى تلك المهنة، ولم يعرب عن أي اعتراض هو وعائلتي، بل شجعوني على االستمرار
وقبل بداية عملي في تصليح الساعات، نصحني والدي بأن العمل ليس سهاًل، خاصة لحاجتنا في النظر بدقة في القطع الدقيقة للساعة لفترة طويلة،
واالنحناء بعدسة مكبرة، وترك لي حرية االختيار، وهو ما كنت أعانيه في بداية عملي بالفعل، لكن تعودت مع مرور الوقت، خاصة أن البداية في
تلك الصنعة تحتاج يدا ثابتة أثناء العمل؛ ألن أقل حركة أو عدم تنظيم عملية التنفس، من الممكن أن تضيع أحد األجزاء الدقيقة في الساعة، وهو ما
.يتحمله صاحب المحل إذا ضاع أو ُكسر أي جزء بالساعة
في مهنة تحتاج للدقة أثناء العمل، بدأت "نادية" تعلم تصليح ساعات المنبه من إخوتها، لكونها أقل تعقيًدا من ساعات اليد، باإلضافة إلى كبر
حجمها، وبعد تمكنها، انتقلت لساعات اليد والتي بدأت في قضاء أكثر من ثالث ساعات في تفكيكها ومحاولة تصليحها، أما اآلن وبعد قرابة
.الثالثين عاما في تصليح الساعات تستطيع "نادية" تصليح الساعة ومعرفة سبب عطلها في أقل من خمس دقائق
بعد استيعاب الصنعة، بدأت نادية بدراسة السوق ومعرفة الجديد في سوق الساعات، أدركت أن الساعات االوتوماتك هي المستقبل، عرضت على
والدها العمل على األنواع الحديثة، رغم رفضه في البداية لعدم اعتياده على هذا النوع من الساعات، وأن األدوات الخاص بها أكبر حجًما وال
يتسع لها المحل، وتفضيله للعمل على النوع القديم والذي تفضله "نادية"أيضا، لكن في النهاية اقتنع بالفكرة، وبدأت "نادية" بتعليم نفسها العمل
على هذا النوع، والذي أصبح اآلن هو األغلب مع أصحاب الساعات، ونادًرا ما يأتي إلى المحل زبون يريد تصليح ساعة قديمة، ويكون في
.الغالب ورث الساعة من والده ويريد االحتفاظ بها
مع مرور الوقت وتطور صناعة الساعات في أحجامها وأشكالها، لم تغلق "نادية"محلها أمام الجديد في الصنعة، بل استمرت حتى بعد وفاة والدها
وعزوف إخوتها عن الصنعة، في محاولة التكيف مع مشكالت تلك األنواع مثل التي يتم ضبطها باللمس والتي تستغرق وقتا لفهم آلية عملها،
.والساعات التي ال يمكن فتحها لتصليح العيب بها والتي تحتاج إلرسالها للتوكيل الخاص بها
رغم أن تصليح وبيع الساعات موجود طوال العام، فإن هناك مواسم للبيع بحسب قولها، ففي موسم االمتحانات أغلب الزبائن من طالب الثانوية
.العامة والمعاهد، حيث يكونون راغبين في شراء ساعات بسيطة لمساعدتهم في تنظيم الوقت أثناء االمتحان
لم تقتصر شهرة "نادية" على مدينة أسوان وحسب، بل بين التجار في العاصمة التي اعتادت السفر إليها لشراء قطع الغيار والساعات ذات الجودة
."العالية، وفي رحلتها يسألونها عن فتاة تعمل في تصليح الساعات في أسوان، ويكون الجواب "نعم هناك فتاة، إنها أنا
لم يصادف "نادية" زبون رفض تصليح ساعته بعد معرفته بأن الذي سيصلح ساعته امرأة، أغلب الزبائن يسألونها بغرابة "إنتي اللي هتشتغلي؟"
.وعند الجواب باإليجاب، يجلسون بفضول لمشاهدتها وهي تصلح الساعة
في المساء تفتح "نادية" أبواب المحل للزبائن ممن يرغبون في تصليح أو شراء الساعات، ويرافقها بعض من أفراد أسرتها، لم تتزوج "نادية"
.لتوّرث الصنعة ألبنائها مثل أبيها، وتشعر باألسف من الجيل الجديد الذي ال يرغب في تعلمها
تصوير: أمنية حسن - نادية تحتكر صناعة الرجال
كتب/ت أمنية حسن
2022-08-24 00:00:00