في لحظة هادئة جلست الأم في ركن من منزلها تحتسي قهوتها المفضلة لتستمع بوقت فراغها، دخلت ابنتها الصغرى وهي تحمل ورقة الامتحان في يدها، ووجهها مليء بالقلق.
علامات القلق تظهر على وجه الأم تنتظر حديث ابنتها، بدأت الابنة بنبرة مترددة "أمي، أريد أن أخبرك بشيء، لم أحصل على الدرجة النهائية اليوم في الامتحان مثل زميلاتي، جميعهن حصلوا على الدرجة النهائية، أما أنا فقد نقصت درجة".
وقفت الأم وقد شعرت بشيء من التوتر، فلم تستطع أن تخفي تعبيرات وجهها التي بدأت تتغير، أدركت الأم في قرارة نفسها أن هذا ليس مجرد امتحان في مادة دراسية، بل كان اختبارًا لابنتها أمام أصدقائها، فنظرت الأم إلى ابنتها، وبدأت حديثها بصوت مرتفع "لماذا لم تجتهدي أكثر؟ هل تعتقدين أن هذا يكفي؟ باقي زميلاتك حصلوا على درجة أفضل منك؟ لماذا لم تحصلي مثلهم؟”.
لكن في تلك اللحظة، وجهت الابنة سؤالًا للأم جعلتها تتوقف عن الكلام "أمي أريد أن أسالك شيئًا، هل أنتِ حزينة حقًا لأنني حصلت على درجة أقل؟ أم لأنني لم أحقق نفس ما حققه أصدقائي؟ وإذا كانوا قد نقصوا مثلما فعلت أنا، هل كنتِ ستصرخين في وجهي هكذا؟".
سكتت الأم للحظة، شعرت بصوت السؤال الذي دخل قلبها كخنجر، فلم تجب على الفور، بل بدأت تفكر في حديث ابنتها، فكانت تلك اللحظة بمثابة صدمة لها، تذكرت كيف كانت في طفولتها تعاني من نفس الضغط، وكيف كانت والدتها تقارن بينها وبين زميلاتها دائمًا، وتحثها على أن تكون أفضل وأسرع وأكثر تفوقًا.
عادت الذكريات لتغمر ذهنها، فتذكرت حديث والدتها المليء بالمقارنات "لماذا لا تكونين مثل فلانة؟ هي أفضل منك، لماذا لم تحققي درجاتها؟"، تلك المقارنات جعلتها تكره نفسها، وتفقد شعور الفخر بما تحققه، حتى إذا حصلت على تقدير جيد، كانت تشعر دائمًا أن هناك من هو أفضل، فكانت المقارنة تدمر فرحتها بأي إنجاز قد حققته، كانت ترى نفسها دائمًا أقل، مهما كانت تفعله.
تذكرت كيف كانت هذه المقارنات تجعلها لا تفرح بما حققته، كيف كانت تقارن نفسها بأصدقاء الطفولة، وكيف كانت تعيش في ظل دائم من التوقعات التي لا تنتهي، كانت تشعر بأن لا شيء يستحق الفخر ما دام هناك شخص آخر أفضل منها في شيء ما، فهذا المرض الذي ينتقل من جيل إلى جيل، يجعلنا نعيش في سباق لا نهاية له، ويفقدنا قدرتنا على رؤية الجمال فيما نحقق.
وفي تلك اللحظة، بينما كانت تنظر في عيني ابنتها، أدركت أن ما فعلته مع ابنتها كان نفس الشيء الذي كانت تفعله
معها والدتها، لقد كررت نفس الخطأ، وتزرع في ابنتها نفس الشعور بالنقص الذي عاشت به طوال حياتها.
شعرت بحزن عميق، تذكرت كم كانت المقارنة تقيدها وتجعلها غير سعيدة، رغم كل ما حققته في حياتها.
أدركت الأم أن المقارنة ليست فقط طريقة لتحفيز الأطفال، بل قد تكون سلاحًا مدمرًا، أدركت أن ما فعلته مع ابنتها يفسد فرحتها ويقلل من ثقتها بنفسها.
بدأت الأم بصوت خافت تتحدث مع ابنتها "أنتِ محقة، في البداية شعرت بالحزن عندما علمت أنك لم تحصلي على نفس الدرجات التي حصلوا عليها زميلاتك، لكنني الآن أدركت أنني مخطئة، كان من اللازم أن أفرح بإنجازك بغض النظر عن الآخرين، المقارنة هي ما جعلتني أشعر بالندم على إنجازاتي أنا أيضًا، وجعلتني أعيش في ظلال التوقعات بدلًا من التقدير الحقيقي لما أنا عليه".
صمتت الأم، وأمسكت بيد ابنتها وقالت: "أعتذر لكِ، وأنا أعدك أنني سأحاول أن أتغير، وأن أرى قيمتكِ أنتِ فقط، دون النظر إلى الآخرين".
في تلك اللحظة، أدركت الأم أنها بدأت أول خطوة نحو التخلص من مرض المقارنة، وتعلمت أن أهم شيء في الحياة هو أن نكون راضين عن أنفسنا، وأن نتوقف عن السعي وراء صورة "مثالية" مزيفة قد تكون مجرد وهم.