قلق شديد يعانيه أشرف محمد، مريض السكري ذو الـ51 عامًا، مع التفاقم الشديد لأزمة نقص واختفاء الأدوية في الأسواق، وهي الأزمة التي أكد أنها طالت السوق السوداء أيضًا بمنطقة الجمهورية بسوهاج، حيث يقطن "أشرف"، الذي بدأ حديثه قائلًا: "أمر بأزمة نفسية شديدة، منذ بداية أزمة الأدوية وأشعر بهلع شديد من إمكانية إصابتي بغيبوبة السكري، مع حدوث ارتفاع جديد لأسعار الأدوية، واستمرار نقص الأنسولين".
إنتاج محلي
الأزمة التي يعانيها "أشرف" وآلاف من أصحاب الأمراض المزمنة، بدأت تظهر نهاية 2023، لكنها تفاقمت منتصف العام الجاري، نتيجة لقرارات البنك المركزي في الأول من فبراير والسادس من مارس الماضيين، بتحريك سعر صرف العملة، ما أثار أزمة سيولة دولارية لدى شركات صناعة الدواء المحلية، التي تنتج ما يقارب من 91% من حصة الدواء المطلوبة محليًا، وفقًا لبيانات هيئة الدواء المصرية.
أزمة بالسوق السوداء
ووفقًا لتصريحات علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء، في أغسطس الماضي، يوجد 81 صنفًا دوائيًا مرتبطين ببعض الأمراض مثل الضغط والسكر يعانون نقصًا في الأسواق المصرية.
السوق السوداء كان ملجأ "أشرف" وكثير من المرضى، كحل لأزمة نقص أدوية السكري والأعصاب، يقول "أشرف": "اشتريت دواء بليفيكس من السوق السوداء، بسعر 120 جنيهًا، بينما سعره الرسمي كان 67 جنيه، وفي بداية الأزمة أيضًا كنت أشتري الأنسولين بسعر 100 جنيه بدلًا من 65 جنيه، والأمر مماثل أيضًا في دواء الميلجا الذي يشتريه مرضى السكري لعلاج الأعصاب".
تصريحات مستمرة
وأمام أزمة نقص الدواء واختفائه حتى من السوق السوداء، كان وزير الصحة، خالد عبدالغفار، قد أعلن في مؤتمر صحفي، نهاية سبتمبر الماضي، إنتهاء أزمة نقص الأدوية خلال أسابيع، وأكد على أن الأدوية ستُوفر في السوق المصرية، إلا أن أحمد محمد، ذي الـ35 عام، أكد من خلال عمله بصيدلية في مركز المراغة، أن الأزمة تفاقمت في يوليو الماضي، لتطال آلاف الأصناف من الأدوية، وعلى رأسها أدوية الضغط والقلب والسكري وبعض أنواع المضادات الحيوية، ما أثر على حركة البيع داخل الصيدلية.
الوضع بالصيدليات
ورغم التصريحات المتكررة، ووعود انتهاء الأزمة خلال أسابيع، يشتكي رأفت حمدي، عامل بإحدى الصيدليات بمركز المراغة، من اختفاء فوار يوروسولفين لحالات النقرس وزيادة الأملاح، ومينالاكس لعلاج الإمساك، وأورسوفالك لحصوات المرارة، وستربتوكين لعلاج الإسهال، وبريدسول مضاد لالتهابات الجهاز التنفسي، والبروفين وكافسيد، كونتافيفر لعلاج ارتفاع درجة حرارة الجسم، وأدوية هرمون النمو، وأدوية لعلاج الصرع والاكتئاب، وعلاجات نشاط الغدة الدرقية، وبعض المضادات الحيوية، وأدوية القلب والضغط والذهان.
وحول أزمة مرضى السكري، أكد "رأفت" أن هناك أزمة لدى أصحاب المرض المزمن بسبب اختفاء أهم الأدوية منذ شهر مايو الماضي مثل ديافانس ولانتوس ميكستارد.
تصدير الأنسولين
ومقابل أزمة "رأفت" ومرضى السكري، صرح خالد عبدالغفار، وزير الصحة المصري، في 9 مارس الماضي، باتخاذ مصر خطوة حاسمة في توفير العلاج المنقذ لحياة مرضى السكري على مستوى العالم، مؤكدًا على التزام مصر الثابت بضمان توافر "الأنسولين"، كدواء أساسي، للمحتاجين من المرضى أيًا كان موقعهم الجغرافي.
تصريحات عبد الغفار، جاءت خلال توقيع وزارة الصحة والشركة المتحدة للأدوية، لاتفاق تصدير الأنسولين المصري الصنع "Insulinagypt" إلى كوبا، بحضور وزير الصحة الكوبي، وهو الاتفاق الذي أكد وزير الصحة خلاله تصدير مصر للأنسولين لـ11 دولة بإفريقيا أيضًا.
احتياجات مرضى كوبا
وفي نهاية مايو الماضي، مع تفاقم أزمة مرضى السكري في مصر، أكدت هيئة الدواء المصرية تصدير 18 مليون عبوة من الأنسولين المصري، في إطار خطة لتلبية احتياجات مواطني دولة كوبا من الأنسولين، وفقًا لبيان صحفي أصدرته الهيئة في 29 مايو الماضي، عقب توقيع مذكرة تفاهم مع مركز مراقبة الدولة للأدوية والمعدات والأجهزة الطبية الكوبي.
احتياجات مرضى سوهاج
وعلى بعد 10,725كيلو متر من شحنات الأنسولين المصرية في كوبا، لا يزال أحمد علي، اسم مستعار لمالك إحدى الصيدليات بمركز طهطا، يشكو من الأزمة التي خفضت مبيعاته بنسبة 40%، في غياب أدوية مرضى الكلى والسكر والضغط، قائلًا إن الأزمة بدأت منذ ثلاثة أشهر، واحتار المرضى منذ ذلك الوقت، فبعضهم لا يستطيع الاستغناء عن الدواء ليوم واحد، مثل الأنسولين لمرضى السكري وكونكور لمرضى ضغط الدم.
وهو ما أكدته علية محمد، 47 عامًا، مريضة ضغط، تقطن بمركز أخميم، والتي قالت: "دواء كونكور لا أستطيع الاستغناء عنه، وزوجها مصاب بمرض كلوي، لا يجد كبسولات سيستون بسهولة، لذلك يلجأ إلى شرائها فى السوق السوداء بسعر 172 جنيهًا بدًلا من 27 جنيهًا".
ورغم نجاح جراحة القلب المفتوح لأحمد جابر، 54 عام، من سكان منطقة الشرق بمركز سوهاج، إلا أن الخطر الحقيقي الذي يواجهه هو اختفاء أدوية "كونكور" و"ميلجا"، لذلك لجأ إلى البديل المتاح في صيدليات هيئة التأمين الصحي.
بودرة سيراميك
أما البديل الذي لجأت إليه "سعاد"، 39 عامًا تسكن مركز طهطا، لأدوية ضغط الدم، فلم يكن بنفس الفعالية، مما يجعلها تعاني انخفاض مستمر لضغط الدم.
تقول سعاد: "هذا أفضل مما حدث لشقيقي، فبعد شكواه من آلام الأسنان، كان الحصول على مضاد حيوي أمر غاية في الصعوبة، وبعد بحث مطول، استطاع الحصول على علبة واحدة، ليعاني من نزيف لمدة 3 ساعات، وعند وصوله إلى المستشفى، وإجراء بعض التحاليل، اتضح أن المضاد الحيوي عبارة عن بودرة سيراميك قامت بعض الشركات المصنعة "تحت السلم" بإنتاجه استغلالًا لعدم توافره".
احتكار وتخزين
يوضح محمود ثابت، دكتور صيدلي بمركز أخميم بسوهاج، أننا نعاني أزمة احتكار، بسبب النهج التخزيني الذي يتبعه المرضى مع وجود أي أزمة، إذ يلجأوا إلى تجميع كميات من الأدوية خوفًا من نقصها.
حلول
وحول الحلول، قال محمود: "أولًا لابد من وجود قوانين منظمة لاستيراد المواد الخام مع توفير كل الضمانات للشركة المصنعة وتسعير عادل للدواء يضمن استمرارية الإنتاج، ثانيًا لابد من وجود رقابة على شركات التوزيع ومنع السياسة الاحتكارية للشركات وتخزين الدواء بشكل أو آخر".
مؤكدًا على ضرورة التوزيع العادل للدواء على مستوى القطاعات سواء مستشفيات عامة أو خاصة أو تأمين صحي، بجانب كتابة الدواء بالاسم العلمى في روشتة إلكترونية من الطبيب والتزامه بذلك.
واستطرد محمود في حديثه قائلًا إن الصيدليات في انهيار تام نتيجة الأزمة، وتسارع اختلاف سعر الدواء يوميًا، مشيرًا إلى ضرورة تثبيت السعر، مع التوعية للمريض بسياسة البديل للدواء "لأن اقتناع المريض بالدواء هو نصف علاجه".