ما تزال أزمة نقص الأدوية، التي ظهرت بوادرها نهاية العام الماضي، تواجه مرضى كثيرون، رغم محاولات هيئة الدواء المصرية لاحتوائها عبر ضخ كميات منها في الأسواق نهاية الشهر الماضي. على العكس ظهر نقص في أدوية كثيرة أخرى حسب شهادات لبعض المواطنين والعاملين في مجال الصيدلة.
ورصدت "صوت السلام" شكاوى متعددة لمواطنين يجدون صعوبة في العثور على أدوية العديد من الأمراض، وليس المزمنة فقط، رغم تأكيد الدكتور ياسين رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء، توفير 324 مستحضرًا علاجيًا، بمجموع يصل إلى 113 مليون عبوة، في الأسواق نهاية أغسطس الماضي، بينما أبدى مواطنون من حي دار السلام، وأحياء أخرى متفرقة، انزعاجهم لصعوبة الحصول على ما يكفيهم من المضادات الحيوية وأدوية الأمراض الجلدية والمسكنات ومقاومة الأملاح، فضلًا عن أدوية الأمراض المزمنة، التي يضطرون للمرور على أكثر من صيدلية لتوفير الجرعة الشهرية منها.
رغم ذلك لا يعد الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء، أن النقص الحالي يصل لمرتبة الأزمة، قائلًا في تصريحات تلفزيونية، في أغسطس الماضي، إن من بين 17 ألف صنف دوائيًا أحصتهم الهيئة وتأكدت من توافرهم في الصيدلية، هناك نقص فقط في نحو 81 صنفًا دوائيًا فقط.
"بدأت تندع"
ويشتكي معظم المواطنين من قلة المتاح من مُخفضّات الحرارة والمضادات الحيوية وأدوية الضغط والقلب والسكري، وهو الأمر الذي يؤكده محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، الذي قال لـ"صوت السلام"، إن "الكمية التي ضُخّت لا تكفي احتياج السوق، لكنها بدأت تِندّع".
تقول فايزة محمد، التي تبلغ من العمر 76 عامًا، وتسكن في منطقة دار السلام، إنها تعاني من عدد من الأمراض المزمنة وتجد صعوبة في الحصول على دواء يكفيها لمدة شهر، فحتى وإن توفرت بعض الأدوية فالكميات المتاحة منها ما تزال قليلة.
في المقابل، أكد الطبيب الصيدلي أحمد أشرف، الذي يملك صيدلية في حي دار السلام، أن وفرة حدثت في أدوية الأمراض المزمنة، مع بداية الشهر الجاري، لكن تخوّف المرضى من تكرار النقص، دفعهم للبحث عن كميات كبيرة من كل صنف من أصناف الأدوية، ما أشعرهم بقلة المتوفر منها، وكذلك أدى إلى قلتها في بعض الأماكن.
ظهرت الأزمة نهاية العام الماضي بدافع من ضعف السيولة الدولارية والقيود على الاستيراد اللذان صعّبا من قدرة شركات تصنيع الدواء على استيراد المادة الخام، التي تدخل في صناعة هذه الأدوية وتركيبها، وهو الأمر الذي تفاقم مع منتصف 2024، رغم تحريك سعر الصرف في مارس الماضي وما تبعه من سيولة نقدية، إذ لم تستطع الشركات المنتجة تحمُّل فارق تدبير العملة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة الذي يصعب من حصول الشركات على تمويل بنكي لتحمل هذه التكلفة الإضافية، حسب تأكيدات علي عوف، رئيس شعبة الدواء في الغرفة التجارية بالقاهرة، لـ"صوت السلام".
ورفع البنك المركزي، أسعار الفائدة 800 نقطة أساس خلال أول اجتماعين عام 2024، بواقع 200 نقطة أساس يوم 1 فبراير، و600 نقطة أساس في 6 مارس الماضي، ليصبح سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب.
زيادة مبالغ فيها
كذلك ساهم في تفاقم الأزمة ارتفاع تكلفة الإنتاج بعد تحرير سعر الصرف، وعدم تحديث التسعيرة الجبرية التي عينتها الدولة للأدوية، منذ ستة أعوام، ومؤخرًا وافقت هيئة الدواء المصرية للشركات على تحريك أسعار بعض الأصناف، واعتمدت في يونيو الماضي زيادات في أسعار عدد من الأصناف الدوائية، بعد مراجعة الطلبات التي تقدمت بها الشركات المنتجة لتحريك الأسعار في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج بعد تحرير سعر الصرف.
ويرى رئيس هيئة الحق في الدواء، تلك الزيادة "مبالغ فيها"، إذ وصلت في بعض الأدوية إلى 30% و 40%، وذلك بمقارنتها مع الزيادة التي جرت في 2017 بعد تحرير الجنيه التي بلغت 25% فقط.
ورغم تلك الزيادة المرتفعة، فإنها لم تؤدْ إلى توفر الأدوية الناقصة، بل ظهر قصور في توفير أنواع أخرى جديدة، فحسب المواطن رمضان محمد (55 عامًا) فإنه يبحث عن فوار شهير للأملاح، لكنه لم يستطع الوصول إليه منذ فترة، يقول لـ"صوت السلام": "رد عليّ الصيدلي بأنه صعب يبقى موجود دلوقتي".
يؤكد رئيس هيئة الحق في الدواء، "أن الأزمة انتقلت من الأدوية المزمنة إلى مستلزمات الطوارئ والفوارات والمضادات الحيوية، الذين يتواجدون بنسبة قليلة جدًا في الأصناف التي وفرتها الهيئة"، ويضيف "فوار الأملاح مش موجود، مستلزمات الطوارئ والإسعافات الأولية المستشفيات بتلف عليها، كان لازم يبقى فيه خطة الوزارة والهيئة توفيرهم، لكن بشكل عام الأزمة قربت تتحل".
وبداية الأسبوع الجاري، أعلن الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة، أن أزمة نقص الدواء ستنتهي في سبتمبر، مُؤكدًا، في تصريحات تلفزيونية، أن وزير الصحة يتابع بنفسه ملف توفير الأدوية بشكل يومي، وفي ظل غياب آلية معلنة لجهود الحكومة في حل تلك الأزمة، تواصل "صوت السلام" مع أحمد سالم المستشار الإعلامي لهيئة الدواء، وعلي الغمراوي المتحدث باسم الهيئة، للسؤال عن الخطة التي أعدتها الهيئة للقضاء على الأزمة، لكنه لم يتلقْ رد حتى الآن.
وصار امتناع المصادر الرسمية عن التعليق للصحف أمر شائع مؤخرًا، ويواجه تعقيدات بيروقراطية مختلفة، وهو الأمر الذي انتقده المذيع شريف عامر، خلال برنامجه "يحدث في مصر"، المذاع على فضائية إم بي سي، قبل خمسة أيام، قائلًا "محدش راضي يتكلم معانا"، وذلك تعليقًا على عزوف المصادر الرسمية عن التصريح للصحفيين.