أزمة في غذاء المصريين..  ارتفاع تكاليف النخالة يهدد أسعار اللحوم

تصوير: مزرعة مواشي في سوهاج

كتب/ت رفيدة أشرف
2025-02-12 13:25:33

عندما حل الموعد الشهري لشراء النخالة الخشنة التي يستخدمها شعبان إسماعيل، 59 عامًا، في تغذية الماشية، تفاجأ بزيادة قدرها 500 جنيه للطن الذي أصبح سعره 10 آلاف و900 جنيه، وهي الزيادة الرابعة خلال العام 2024، إذ تراوحت الزيادات السابقة بين 100 و200 جنيه.

يعمل شعبان مربيًا للدواجن والماشية في محافظة سوهاج، ولكن بعد الزيادات المتتالية التي تقرها وزارة التموين في أسعار النخالة، اضطر إلى تقليل الكمية المقدمة للمواشي، واستخدام فيتامينات لا تعد بديلًا غذائيًا حقيقيًا للنخالة الخشنة التي تُعتبر الغذاء الأساسي للحيوانات وفقًا له.

4 زيادات في عام

في 2 يناير الماضي، صدر قرار وزاري من الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، رقم 33 لسنة 2024، بتحديد سعر طن النخالة الخشنة عند 10 آلاف و900 جنيه. 

أثر القرار على مربيّ الدواجن والماشية في سوهاج، الذين لجأوا إلى بدائل غير صحية أو مفيدة للحيوانات؛ مثل تقليل كميات الطعام أو الاعتماد على الفيتامينات الكيميائية أو رفع سعر اللحوم للمستهلك؛ مما يعكس قدرة المربين المحدودة على المناورة أمام قرارات الزيادة المتتالية في أسعار النخالة.

النخالة هي القشرة الخارجية للحبوب، وتعتبر من المصادر الغنية بالألياف والعناصر الغذائية، وتساعد على نمو الحيوانات وتغذيتها.

تفتقد ماشية شعبان كل تلك العناصر الغذائية في الوقت الحالي، بعدما قلل كميات النخالة المقدمة لهم، في ظل عدم وجود أي دعم حكومي لاستمرار مزرعته: "الماشية كانت تأكل في الشهر طن نخالة أي 25 شيكارة الآن قللت الكمية إلى النصف لأن التغذية تمثل حوالي 70% من تكلفة الإنتاج اليومية".

ماشية شعبان أصبحت ضعيفة وقليلة الوزن ولا تنمو بشكل طبيعي، مما دفعه للتفكير في بيعها يقول لـ"أهل سوهاج": "أفكر الآن في بيع الماشية حتى أتجنب كل تلك المشكلات إلا إنني لا أملك عملًا آخر".

يشير الدكتور جمال سلومة، رئيس قسم الإنتاج الحيواني السابق بكلية الزراعة في جامعة سوهاج، إلى خطورة تقليل كميات النخالة للماشية، مبينًا لـ"أهل سوهاج" أن كل كيلو لحم زائد أو نمو في جسم الحيوان يتطلب كمية محددة من الأعلاف وفي حال نقصها لا ينمو بشكل طبيعي. 

أسباب الزيادة

شهدت أسعار النخالة ثلاث زيادات خلال العام 2024، ففي 18 يناير زاد سعر الطن 100 جنيه، ثم في أبريل زاد 145 جنيهًا، ورفع سعر النخالة في ديسمبر 500 جنيهًا ثم الزيادة الأخيرة التي حدثت في يناير الماضي.

يعزو حازم المنوفي، عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية لـ"أهل سوهاج"، الزيادات التي طالت أسعار النخالة الخشبية مؤخرًا إلى ارتفاع تكاليف إنتاجها ونقلها، وتغيرات الأسواق العالمية للعلف، مبينًا أن الطلب المحلي والعالمي على النخالة الخشبية شهد زيادة ملحوظة في الفترة الأخيرة، مما أثر على المعروض في السوق المحلي.

ويوضح أن تحديد السعر العادل للنخالة والأعلاف يكون بناءً على معايير مختلفة، مثل تكلفة الإنتاج وظروف السوق المحلية والدولية، كما تُراجع دوريًا لضمان التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين: "الحكومة تعمل على تبني سياسات لدعم مربي الدواجن والمواشي، مثل تقديم برامج دعم موجهة للمزارعين، لمساعدتهم على مواجهة الزيادة الكبيرة في أسعار الأعلاف التي أحدثتها قرارات التموين".

فجوة الإنتاج والاستهلاك 

تنتج مصر أعلافًا محلية بنحو 800 ألف طن فقط، بينما الاستهلاك السنوي يصل إلى 24 مليون طن، مما يعكس حجم الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك؛ لذلك تستورد سنويًا كميات من العلف تصل إلى 8.1 مليون طن بإجمالي 3.9 مليار دولار، وفق بيانات مجلس الوزراء خلال العام 2023.

بينما قدرت دراسة خرجت بها مؤسسة mordor intelligence المتخصصة في متابعة الأسواق (غير حكومية)، حجم سوق الأعلاف في مصر خلال العام 2024 بنحو 117.5 مليار جنيه.

وتتعاون وزارة التموين مع الشعبة بحسب المنوفي، لمتابعة أسعار النخالة والأعلاف، من خلال آلية رصد دائمة للأسواق، مبينًا أن الشعبة تراجع الأسعار بانتظام لضمان عدم حدوث زيادات غير مبررة، واتخاذ الإجراءات المناسبة في حال ظهور أي ارتفاعات مبالغ فيها تؤثر على المربين.

سبب آخر لزيادة أسعار النخالة، يوضحه الدكتور جمال سلومة، وهو ارتفاع أسعار القمح في السوق المحلي نتيجة لانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، مبينًا أن متوسط سعر الطن من القمح يبلغ حوالي 260 دولارًا (من أوروبا وروسيا). 

ويوضح لـ"أهل سوهاج" أن العلاقة بين سعر القمح وسعر النخالة وثيقة، حيث تمثل النخالة حوالي 14-15% من تركيب حبة القمح، وهي الجزء الخارجي منها، وتحتوي على الألياف والفيتامينات والعناصر المعدنية منها الفوسفور. 

ويشرح: "تتكون حبة القمح من ثلاثة أجزاء رئيسية: طبقة الغلاف الخارجية (النخالة أو الردة) التي تمثل حوالي 14.5% من حجم حبة القمح، والجنين الذي يمثل 2.5% من حبوب القمح، والإندوسبرم الذي يحتوي على النشا والبروتين، وهو الجزء الأكبر من حبة القمح ويمثل 83% من حجمها، لذلك أي زيادة في أسعار القمح تؤثر في النخالة وعلى عمل المربين".

أعباء على المربين

يتسق ذلك مع ما أشار إليه أحمد فواز، رئيس إنتاج مطاحن سيتي في سوهاج، بأن زيادة أسعار النخالة تمثل عبئًا على المربين، حيث أن أي زيادة في تكاليف الأعلاف ستؤدي بدورها إلى زيادة في أسعار المنتجات الحيوانية. 

ويوضح لـ"أهل سوهاج" أن المطاحن تعتمد على توجيهات إدارة الشركة، وبالتالي، فإن ارتفاع أسعار الأعلاف سيؤثر بشكل مباشر على الأسعار النهائية للمنتجات الحيوانية، فلا بد من تحفيز الإنتاج المحلي للنخالة.

نفس الأمر يؤكده الدكتور جمال سلومة، الرئيس السابق في قسم الإنتاج الحيواني بكلية الزراعة، بأن هناك ضرورة لتحفيز مصانع إنتاج الأعلاف في مصر وزيادة إنتاجها المحلي حتى تتنوع مصادر الإنتاج.

يعتمد الإنتاج المحلي للأعلاف في مصر على مصنع شركة الدقهلية للدواجن إحدى أكبر الشركات المستثمرَة في مصر في قطاع الدواجن، الذي افتتح العام 2020، وفق تقرير وزارة الزراعة الأمريكية لنفس العام.

يوضح التقرير أن إنتاج المصنع يصل إلى 3,000 طن متري يوميًا من أعلاف الدواجن و400 طن متري يوميًا من الأعلاف المائية، بينما يوجد في مصر 180 مصنعًا لإنتاج أعلاف الدواجن، التي تنتج أنواعًا مختلفة من تركيبات الأعلاف لصناعة الدواجن. 

لجأ  علاء محمد، 46 عامًا، مربي دواجن وماشية من سوهاج، إلى حل آخر للحيلولة دون خسارته، إذ قرر زيادة سعر اللحوم المنتجة: "أقلل عدد الحيوانات التي أربيها، وخلال عملية البيع القادمة سيكون هناك ارتفاعًا في الأسعار للحوم حتى لا أتعرض للخسارة".

وفق تقرير البنك الدولي خلال العام 2023، فإن أسعار الطعام والمشروبات في مصر تضغط على معدلات التضخم حيث مثلت اللحوم والدواجن نسبة 97% منها، بينما سجل معدل التضخم في الغذاء أعلى مستوى له خلال نفس العام عند 73.60%.

يشير علاء لـ"أهل سوهاج" إلى أنه لا توجد بدائل للأعلاف: "إذا تكبدت خسائر في شراء الأعلاف سيقوم الجزار الذي أعمل معه برفع سعر اللحوم، ونأمل أن يكون هناك تدخل حكومي لوقف تلك الارتفاعات المتتالية لأنه لا بدائل لدينا ونفكر في ترك المهنة".

هروب المربين

يتوقع الدكتور جمال أن يخرج العديد من المربين الصغار من السوق نظرًا لأن النخالة تمثل أكثر من 30% من مكونات العلف، وفي الريف قد تصل إلى 50% من مكونات الخلطة التي تتكون من النخالة والذرة، وربما لا يصمد الكثير من المربيين أمام هذه الأزمات.

يتسق ذلك مع تقرير وزارة الزراعة الأمريكية الذي توقعت فيه أن ينخفض حجم القطيع المصري إلى 7.8 مليون رأس بنهاية عام 2025، مع زيادة معدلات الذبح بنسبة 1%، وذلك نتيجة لارتفاع تكاليف الأعلاف وصعوبة الاستيراد بسبب أزمة العملة.

تشمل احتياجات الثروة الحيوانية في مصر من الأعلاف حوالي 41.6 مليون طن من الأعلاف الخضراء، و10 مليون طن من التبن، ونحو 16.6 مليون طن من الأعلاف المركزة، وتعتبر النخالة من المكونات الأساسية للأعلاف، حيث تمثل 34.3% من احتياجات الأعلاف، تليها الذرة الصفراء بنسبة 31.8%.

لا يستطيع السيد حسين، 45 عامًا، مربي دواجن ومواشي في سوهاج، التنقل بين تلك الاختيارات في تغذية الماشية، مرجعًا ذلك إلى أن النخالة هي مصدره الأساسي في التغذية لأنها الأكثر فاعلية في نمو الأبقار: "كانت أقلهم سعرًا إلا أن الزيادات الأخيرة أثرت علينا بشدة لذلك قللت كمية الغذاء المقدم لهم، إلا أن نسب نمو الحيوانات تراجعت إلى 20%".

وعن تأثير تلك الزيادة على الأسعار النهائية للحوم، يشير إلى أنه يحسب التكلفة الإنتاجية والأرباح التي من المفترض جنيها، ووقت تسليم الماشية يزيد من السعر بما يحقق له أرباح ثم يترك تحديد سعر بيع اللحوم إلى المستهلك وفق ما يحدده الجزار.

تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن أسعار اللحوم والدواجن ارتفعت بنسبة 19.8% في ديسمبر 2024 مقارنةً بالشهر ذاته من العام السابق، كما سجلت الأسعار زيادة بنسبة 19.7% في أكتوبر 2024 مقارنةً بأكتوبر 2023.

نفس الخسائر التي تخطت الـ50%، تعرض لها أحمد محمد، 50 عامًا، مربي دواجن ومواشي في سوهاج، إذ خسر نصف رأس ماله من الماشية مع الزيادات التدريجية التي شهدتها أسعار النخالة: "هي الغذاء الأساسي للمواشي ولا يوجد بديل".

لكنه يشير إلى أن أثر الزيادة الأخيرة سيظهر خلال النصف الثاني من العام الحالي، لأنه يترك للجزارين حرية التصرف في أسعار اللحوم التي تباع للمستهلكين، يقول لـ"أهل سوهاج": "إذا زادت اللحوم مرة أخرى بناء على زيادة أسعار النخالة سأترك المهنة لأن الإقبال من المستهلكين كل فترة على شراء اللحوم يقل مما يسبب لنا خسائر فلا بد من حلول فورية لعدم زيادة أسعار اللحوم".

حلول مؤقتة

وفيما يتعلق بكيفية تفعيل الحكومة آليات المراقبة لمنع ارتفاع أسعار المنتجات الحيوانية بشكل مفرط، يشير الدكتور جمال سلومة، إلى أهمية توفير الأعلاف الجيدة بسعر مناسب وشراء الحيوانات بسعر عادل بنظام التعاقد، بالإضافة إلى طرح اللحوم في الجمعيات التعاونية بسعر التكلفة مع هامش ربح مناسب للمربي.

يضيف: "يمكن تقليل تكاليف تربية الماشية من خلال إنتاج أعلاف الحيوانات بطريقة الحفظ بالتخليل أو السيلاج (المكمورة)، وهي طريقة غذائية آمنة يتم فيها فرم المخلفات من الذرة والأعلاف الخضراء وحفظها بعيدًا عن الهواء، مما يساعد في تقليل تكاليف الإنتاج بنسبة تتراوح بين 15-20%".

بينما يشير المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية، إلى أن هناك بعض الحلول الممكنة للتخفيف من تأثير هذه الزيادة على المستهلكين، مثل تحسين طرق الإنتاج والبحث عن بدائل أرخص.

أما فيما يتعلق بتأثير ارتفاع أسعار النخالة على قطاع اللحوم والدواجن، يوضح أن الوزارة تقدم الدعم اللازم للمزارعين والشركات المنتجة من خلال برامج دعم موجهة، مبينًا أن هناك خططاً مستقبلية قيد الدراسة تهدف إلى توفير بدائل مستدامة للنخالة والأعلاف، إضافة إلى تنظيم السوق بشكل أكثر فعالية لضمان التوازن بين العرض والطلب. 

فيما يقترح الدكتور جمال كحلول مؤقتة، استغلال مخلفات المحاصيل الزراعية في تغذية الحيوانات، لكنه حل يتطلب إعادة تكرير الأعلاف الخشنة بمحلول اليوريا، كي يزيد من القيمة الغذائية لهذه المخلفات بنسبة تتراوح بين 20-60%.

بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجعت أعداد رؤوس الماشية والحيوانات في مصر من 19.9 مليون رأس في عام 2010 إلى 8.1 مليون رأس في 2021/ وفي يونيو 2023، أعلنت وزارة الزراعة المصرية أن عدد رؤوس الثروة الحيوانية في مصر بلغ 7.5 مليون رأس.

خوف شعبان وحامد وحسين من الزيادة القادمة في أسعار النخالة يعكس واقعًا مريرًا يعيشه المربون في ظل هذه الزيادات المتتالية، التي تجعلهم يخوضون مناورات يومية لتأمين غذاء حيواناتهم وتحقيق هامش ربح عادل لهم.

تصوير: عبدالله الطهطاوي - المواشي في سوهاج