كتب الصباح والمساء

تصميم رياض عادل

كتب/ت جومانا سريان
2024-11-16 10:58:22

حدّثت نفسي كثيرًا بشأن الكتب المختلفة التي أقرأها، واستغربت حين وصلت بتفكيري إلى أن أغلب الكتب التي قرأتها ليلًا تُعطيني شعورًا فريدًا من المتعة، بينما على النقيض تمامًا الكتب الدراسية التي أقرؤها نهارًا، تُشعرني بالملل أو الكآبة في بعض الأحيان! هل يعني هذا أنني شخص مختلف بين الليل والنهار؟ أم أن الأمر كله يتعلق بالكتب ذاتها، وليس شخصي أنا؟

تلك الأسئلة كانت مدخًلا مناسبًا إلى بداية حوار عميق خُضته مع نفسي، لأكتشف أني لست ذات نظرة مزدوجة أو حتى شخص آخر في المساء، كل ما في الأمر أن الإشكالية متعلقة بنوع الكتاب الذي أختاره للقراءة.

خلال حديثي تجاه نفسي، انقسمتُ إلى طرفين يتجادلان، إذ أنني قاطعتُ نفسي خلال الحوار الداخلي قائلة إنني لا أنتقي كل الكتب، وتحديدًا كتب النهار الدراسية، فقطعتُ حديثي مُوضحة أن المشكلة ليست بشخصي، ولا بالنهار والليل كذلك، بل بما يحدث خلالهما، فالنهار هو وقت المدرسة -غير الممتعة بالنسبة لي- ووقت شرح مناهج الكتب الدراسية من خلال المعلمين والمعلمات، وللأسف طريقة الشرح لم تكن ممتعة.

أخبرتُ نفسي هنا أنني في الواقع أحب المناهج التعليمية، ولكن ليس كلها، فغالبًا ما اعتمد حبي للمنهج الدراسي على حبي للمعلم نفسه!

عادت نفسي لاستكمال الرد قائلة إن هذا صحيح، ولكن المفاجأة هي أن حبي للمدرسين، اقتصر على معلم واحد من بين عَشرة مثلًا، فمن النادر أن أحب طريقة دراسة المعلمين، وهنا عُدت أسأل نفسي مجددًا! لماذا إذًا المعلمون الجديرين بالثقة قلة هكذا؟ لماذا حالة المعلم الأكثر انتشارًا؛ هي كونه كئيبًا لا يمتلك طرق خاصة لإيصال معلومات المنهج بطريقة ممتعة، فالمعلومات نفسها ليست مملة، بل طريقة إيصالها لنا نحن الطلاب.

ظلّت الأسئلة تتردد بيني وبين نفسي، فهل المعلمين غير واعيين بما لديهم من علم، ومسؤوليتهم تجاه تسليمه للأجيال القادمة، أم هو مُثقل بالأحمال لدرجة جعلته ينسى دوره الأساسي؟ هل كآبة المعلم هي سبب إهمال الطلبة للشرح وعدم إدراكهم لجمال المناهج الدراسية أم أن العكس صحيح؟، وإن إهمال الطلبة للكتب والمعلم هو ما يشعر المعلم بالاكتئاب؟ ولماذا يكون المعلم كئيب المظهر والقلب من الأساس؟ 

ولماذا لا يُعامل المعلم كما العلماء وعلية القوم، حتى نُزيل عنه بعض الأعباء ويزيد احترام الطلبة له واحترامه لنفسه؟ فبدون المعلم لن يصبح لدينا لا علماء ولا أطباء ولا مهندسين أو غيرهم على أية حال!

ولم تتمكن نفسي من الإجابة على تساؤلاتي، فكل الأسباب واردة!

لاحظت أني أقرأ ليلًا لكتّاب مبدعين يسمحون لك بفك لجام أفكارك لترمح في الخيال الواسع، والأهم أنها باختياري، غير مفروضة علي، وفي مكاني المفضل مع كوب من مشروبي المفضل أيضًا، قد تكون روايات خيالية ترين نفسك فيها البطلة المحاربة القوية والجميلة، أو كتبًا نفسية أتعلم عبر قراءتها عن نفسي ومشاعري.

وقد تكون كتبًا علمية كالتي بالمدرسة؛ من حيث الأفكار العلمية، لكن الفارق أنها تحمل استمتاع الكاتب بكتابته والذي يمرره لي، وهو ما يتناقض مع الكتب الدراسية التي أشعر بالضجر منها.

وهنا فقط صِرتُ أفهم العقّاد وأتفق معه بقوله أنه أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيه.

وفهمت قصد الجاحظ بوصفه محاسن الكتاب، فقال: الكتاب هو الجليس الذي لا يُطريك، والصديق الذي لا يُقليك، والرفيق الذي لا يَمَلَّك، والمُستمع الذي لا يؤذيك، والجار الذي لا يستبطئ، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق.