في إحدى محطات مترو الانفاق أثار ملصق أصدره المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع الأمم المتحدة للسكان، يصور فتاة تحمل طفلة، ومكتوب عليه: "مفيش طفلة بتشيل طفلة لسة بدري" انتباه الناس المترددين على محطة المترو. ليصوره أحدهم وينشره على مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما انتشرت، وأثارت عديد من التعليقات عليه، ما بين الإعجاب بفكرة الحملة، مثل: "جيلنا لا يعتبر ناضج حتى سن ٢٥، ولا يستطيع تحمل الزواج"، والرافضين لها مثل: "ما تسيبوهم يتجوزوا زي ما هما عايزين"، "تصاحب عادي بس تتجوز لا"، وتعليقات حول سماح الدين بزواج الفتاة في أي سن.
ومهما كانت الآراء، فالقانون المصري يجرّم الزواج لأقل من 18 عام، فطبقًا لنص المادة رقم (31) مكرر من قانون الأحوال المدنية المصري رقم (143) لسنة 1994، المضافة بموجب القانون رقم (126) لسنة 2008، تحدد سن الزواج سواء لكل من الزوجة أو الزوج بسن 18 سنة ميلادية، حتى يستطيعوا إثبات ذلك الزواج أمام الجهات الرسمية.
كما ينص قانون العقوبات في مادته (227) أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو غرامة لا تزيد عن ثلاثة آلاف جنيه لكل من أبدى أمام السلطة العامة ببيانات بقصد بلوغ أحد الزوجين السن القانوني للزواج، كما يعاقب بالحبس أو غرامة لا تزيد عن 50 جنيهًا كل شخص حمّله القانون سلطة إبرام عقد زواج، وهو يعلم أن أحد الطرفين لم يبلغ السن المحدد في القانون"، وتشمل العقوبة كلًا من الولي المسؤول والموظف الشرعي والشهود فقط.
كما ينص قانون 64 لسنة 2010 أنه "يعتبر الزواج المبكر من بين حالات الاتجار بالبشر وعقوبته مؤبد وغرامة 100 ألف جنيه للوالي المسئول عن إتمام الزيجة".
حكت لي إحدى السيدات التي قابلتها خلال فترات الانتظار بإحدى المصالح الحكومية عن قصة ابنتها التي زُوّجت من ابن عمها الذي يكبرها بـ20 عامًا، ولم تكن يتجاوز عمرها الـ14 عامًا.
أخبرتني والدة الفتاة أن ابنتها اضطرت أن تتوقف عن الذهاب إلى المدرسة للعناية بزوجها وابنتها الأولى، فيما تمحورت حياتها حول التنظيف والغسيل والعناية بطفلتها، كانت تتمنى فقط الذهاب إلى المدرسة مع صديقاتها من جديد، لكن زوجها منعها من الخروج، ففي أعراف القرية فإن الزوجة تخدم أهل زوجها، ولا تذهب إلى أي مكان آخر حتى أنه منعها من الذهاب لرؤية والدتها، وطلب ممن يريد رؤيتها القدوم إليها بالمنزل.
حدثتني والدتها عن حجم الندم الذي تشعر به الآن تجاه ابنتها، بعدما باتت لا تريد محادثتها أو التواصل معها منذ وقت بعيد، ودائمًا ما تتذكر صوتها وهي تبكي، معبرة عن رغبتها في عدم الذهاب مع زوجها، لكنها لم تنصت لها.
أتذكر قصة أخرى روتها لي إحدى صديقاتي عن إحدى قريباتها توفيت خلال ولادة طفلتها، وكانت قد أتمّت الـ١٨ عامًا منذ شهر تقريبًا من ولادتها، بعد أن حذرها الطبيب من الولادة، وبالفعل لم تتحمل وتوفيت.
تلك القصص ليست الوحيدة ولا الأخيرة؛ حيث تشير إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017، أن 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عامًا متزوجون أو سبق لهم الزواج.
وقد حذر نائب وزير الصحة، طارق توفيق، من المشاكل الصحية والنفسية لزواج القاصرات، فقد يُعرّض الفتاة إلى مشاكل صحية بسبب ضعف جسدها قبل الحمل وأثنائه، ويصعب عليها تكرار الإنجاب في سن صغير، إذ تتعرض الفتاة لمضاعفات ارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل بنسبة 20%، مقارنة بالحوامل في سن العشرين وترتفع لديهن احتمالات الإصابة بالأنيميا والالتهابات وأمراض سوء التغذية إلى الضعف.
بالإضافة إلى مضاعفات تعسر الولادة والنزيف الشديد والإجهاض المتكرر، وزيادة معدل وفيات الأمهات بسبب الحمل والولادة لدى المراهقات إلى الضعف، ويزيد المعدل كلما قل سن المراهقة حتى يصل إلى خمسة أضعاف في عمر من هم دون الــ15 عامًا.
أضف إلى ذلك "التقزم"؛ وهو قِصَر القامة الشديد عند الأطفال مقارنة بأقرانهم من نفس العمر، ففي دراسة حديثة عام 2017 ثبت وجود علاقة مؤكدة بين زواج المراهقات والتقزم عند أطفالهن، إذ بلغت نسبة التقزم في الأطفال المولودين لمراهقات 40%، منهم 17% يعانون من التقزم الشديد.
كما تزداد نسبة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والهضمي والأمراض العقلية، كذلك ارتفاع نسبة ناقصي النمو وازدياد الاحتياج إلى رعاية مكثفة والتنفس الصناعي، كذلك زيادة فرصة الإصابة بالاكتئاب ما بعد الولادة.
أما الآثار النفسية، فيؤكد المختصون أن زواج الطفلة قد يتسبب في معاناتها من الحرمان العاطفي من حنان الوالدين، والحرمان من عيش مرحلة الطفولة، وقد يؤدي ذلك إلى الإصابة بأمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام والاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية.
واجتماعيًا، فإن عدم نضج الزوجين يجعل الزواج صعبًا، بسبب عدم قدرتهما على تحمل المسئولية وبناء أسرة سليمة، كما يواجهان صعوبة في تربية سليمة للأطفال، فضلًا عن حرمان الفتاة في كثير من الحالات من فرصة استكمال تعليمها، وبهذا لن تكون قادرة على تكوين شخصيتها المستقلة نفسيًا واقتصاديًا، وحرمانها من الحق في العمل مما يساهم في تأخر التنمية.