لم تنتهِ إلى الآن عادة دبغ الجلود في سوهاج، فقد اعتاد الأهالي على دبغ الجلود بعد ذبح الأضاحي في عيد الأضحى، سواء كان مجال عملهم أو عادة يدوية توارثها الأحفاد، مُحولين تلك الجلود إلى مفروشات منزلية.
من بين هؤلاء الذين توارثوا تلك العادة، ويقومون بها داخل المنزل، نوال هاشم التي تنتظر شهرين كاملين جفاف جلد الأضحية بعد العيد، حتى تتمكّن من إعادة تدويرها، إذ أنها تقوم بذلك بطريقة بدائية، لتحويلها لسجاد منزلي.
ورثت نوال تلك العادة من والدتها وجدتها، إذ تمرّ تلك العملية بعدة مراحل؛ تبدأ أولًا بذبح الأضحية وسلخ الجلود، ثم تجميعها ووضعها في الشمس، بعدها يُرشّ الملح على باطن الجلد، ويُترك ليجفّ، وتُعدّ إضافة الملح مهمة لأنها تعمل على تنظيف الجلد بالكامل، وقد تستغرق مدة التجفيف شهرين أو أكثر حسب درجة حرارة الجو، بعد ذلك يُعقّم الجلد ويُغسل بالمنظفات.
وعلى عكس نوال، فإن سليم علي يعمل في مجال دبغ الجلود منذ صغره مع أسرته بمركز المراغة بسوهاج، وتصير طريقة الدبغ لدى العائلة أكثر احترافية عن الطريقة اليدوية، وتمر أيضًا عملية دبغ الجلود بعدة مراحل، يوضحها علي بقوله "بعد نحر الذبائح نقوم بإزالة الزوائد من اللحم أو القطع الغير مستوية من الجلد، كمرحلة أولى، ثم نقوم بغسل الجلد جيدًا من الدماء، ونتركه ليجف، بعدها نُحضّر "عجينة" من الملح والماء وكربونات الصوديوم والدقيق، بنسب محددة، ونقوم بتوزيعها على الجلد بالتساوي".
بعد ذلك يُغسل الجلد مرة يوميًا لمدة 3 أيام، وعلى مدار فترة التجفيف يوضع عليه العجينة مرة أخرى "ثم نقوم بتركها بضعة أشهر معرضة للشمس وتكون المدة من 3 إلى 4 أشهر، وبعد ذلك يُستخدم كديكور منزلي مُختلط بألوان جميلة أو يُفرش كسجاد على أرضية المنزل"، بحسب ما يقول علي.
ويستطرد علي في حديثه "كنت فى البداية أواجه صعوبة فى عملية الدبغ، لأنها تتطلب مجهودًا كما كنت أقوم بها برفقة زوجتي، لكن حاليًا أحرص على هذه العادة والسعادة تغمرني"، وبسبب حبه لمجال عمله يحرص علي على تعليم وتوريث أولاده مهنته "علشان مش عايز المهنة دي تنتهي".
وبالمثل، أورثت سعاد حشمت، 60 عامًا، تلك العادة لأبنائها ولأحفادها قائلة "دي عادة من سابع جد لازم توصل لغاية آخر ابن علشان يحسوا بالفرحة اللي حسسونا بيها أجدادنا"، فحتى الآن لا تزال سعاد تتذكر جدتها وجدها يقومون بدبغ الجلود، وكانا يحرصان على أن تجلس الحفيدة بجوارهما لتُشاهدهما "وكمان كنت بساعدهم في الدبح والدبغ وبكون فرحانة".
وبالنسبة لسعاد فإنها لا تستعمل سوى الماء والملح في عملية الدبغ، إذ تقول "يُوضع الماء والملح ويُترك الجلد في الشمس لعدة أشهر حتى يجف".
لم تنقطع تلك العادة بالفعل عن الجيل الجديد في سوهاج، إذ انتقلت إلى حسام مصطفى ذو الثلاثة عشر عامًا، الذي يقطن في نجع الماسخ بمركز المراغة، حيث يساعد الصبي جده في عملية الدبغ منذ أن كان في العاشرة من عمره، ويقول "أشعر بالسعادة عندما أشارك جدي وأبي في عملية النحر والدبغ، فقد أصبحت أعرف كيف تُصنع "العجين" الذي يُدبغ به الجلود، وكيف نستخدمه كفرش منزلي".