رغم حلول موسم العيد، إلا أن صغار مُربي الماشية يواجهون،وفقًا لقولهم، عُزوفًا عن الشراء مُقارنة بالعام الماضي، خاصة مع استمرار أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف، التي يرونها المشكلة الرئيسية في مجال تربية الماشية.
وخلال اجتماع مع رئاسة مجلس الوزراء في فبراير 2024، أشار وزير الزراعة المصري، السيد قصير، أن حجم الاستهلاك السنوي من الأعلاف المُركزة يُقدّر بنحو 24 مليون طن، تحتاج إلى 100 مليون دولار أسبوعيًا لاستيراد الأعلاف.
وتُمثّل الأعلاف جزء أساسي من مُدخلات إنتاج تربية المواشي، التي تؤثر على ارتفاع أسعار اللحوم التي تتصاعد يومًا بعد آخر، رغم إعلان وزارة الزراعة في الفترة الماضية بالإفراج الجُمركي لكميات من مستلزمات الأعلاف.
خلال ست سنوات في تربية الماشية، يشتري عبدالرحمن علي كمية من الخراف والعجول من أسواق أسوان ودراو لتربيتها في حوش خاص به، استعدادًا لبيعها، خاصة في عيد الأضحى الذي يُمثّل الإقبال الأكثر بيعًا طوال العام.
تراجع الإقبال
ويقول عبدالرحمن لعين الأسواني، إنه مع حلول عيد الأضحى تراجع الإقبال مُقارنة بالعام الماضي، بسبب زيادة أسعار الماشية هذا الموسم، حيث سجّل سعر الخروف العام الماضي 8 الآف جنيه، لكنه وصل هذا الموسم إلى 12 ألف جنيه.
وازدادت أسعار العجول أيضًا، فسعر العجل ذو الوزن 200 كيلو، سجّل العام الماضي 52 ألف جنيه، ووصل هذا الموسم إلى 73 ألف جنيه، ويوضح علي "كل مُربّي وإمكانياته في توفير عدد الماشية، وحتى لو ميقدرش يشتري عجل، بيشارك بأسهم مع 6 إلى 8 أشخاص، لكن حتى عدد المربين اللي بالشكل ده قلّ"، وفي رأيه فإن الإقبال حتى الآن لم يتخطْ نسبة الـ50% عن العام الماضي، ويرى علي أن نسبة عدد مشتري الأضاحي ربما يزيد الأيام القادمة، خاصة وقفة العيد، إذ أنها قد تكون فترات فارقة قد يزيد فيها الإقبال.
يصف علي الزيادة في أسعار الأعلاف خلال عام من تربية عشرات الماشية في مشروعه الصغير، أن سعر كيلو الغلّة سجل هذا العام 23 جنيه مقارنة بـ12 للعام الماضي، حتى البرسيم أحد المُدخلات الجانبية في تربية الماشية كان سعر ما بين الـ5 إلى الـ7 أحزمة تبلغ 10 جنيهات، أما اليوم فإن العشر جنيهات تشتري ثلاث أحزمة.
وإلى جانب ارتفاع أسعار الأعلاف، يضيف علي أن المربي عليه توفير الكمية للماشية حتى لا تتأثر بنقص الغذاء، مما يؤثر بعد ذلك في بيعه، خاصة أن الأعداد الكبيرة للماشية يجب ألا تبقْ لديه لفترة طويلة، حتى لا يُحقق خسارة نتيجة الإنفاق المستمر على الأعلاف.
لا يقتصر الغلاء على ذلك فحسب، بل إن الأربطة المخصصة للأضاحي ارتفع ثمنها أيضًا، فقد أصبح سعر تلك الأربطة التي تلفّ نحو 20 خروف 210 ألف جنيه، بعدما كان سعرها منذ 5 سنوات 41 ألف جنيه.
ركود نسبي وتضخم
وفقًا لأرقام صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لأعداد متفرقة، قُدّرت أعداد رؤوس الماشية 19 مليون رأس لعام 2012، لتتراجع النسبة إلى 7.5 مليون رأس لعام 2022.
يعمل صغار المربين في تربية أعداد محدودة من الماشية في أحواش صغيرة خاصة بهم، أو استغلال أسطح منازلهم في تربية خراف استعدادًا لبيعها مع اقتراب عيد الأضحى.
نور الدين محمود واحد من الذين يعمل في تربية الماشية خلال 19 عامًا، يرى أن سوق الماشية شهد تراجعًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع ترك العديد من زملاء المهنة المجال بسبب غلاء أسعار تكلفة الإنتاج، الأمر الذي لم ينتهْ ه1ا العام، بل أن الموسم شهد ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الماشية، يُقدّر بنسبة 30% مُقارنة بالعام الماضي.
يُقارن محمود أسعار الأعلاف هذا الموسم مقارنة بالموسم الماضي، والذي سجّل فيه سعر خروف وزن 28 كيلو 10 آلاف جنيه، وسعر العجل 200 كيلو من 45 ألف جنيه الموسم الماضي إلى 60 ألف جنيه، ويُفسر سبب ذلك هو ارتفاع أسعار الأعلاف، إذ يقول "شوال الردة 40 كيلو من 450 لـ 600 جنيه وتعتبر وجبة لعشر عجول تكفي لأسبوع، وشوال التبن أصبح سعره 2600 جنيه، بعدما كان 1100 جنيه، 40 كيلو تكفي نفس عدد العجول، بالإضافة إلى البرسيم الذي يمر بفترات غلاء بسبب شُحّه لأن معظم الكميات تأتي من خارج أسوان لعدم زراعة كمية كافية".
ويُضيف أن أسعار اللحوم لم تشهد تراجع خلال الأشهر الماضية مقارنة بسلع أخرى، فالعجل الواحد يأكل بحوالي 200 جنيه على أقل تقدير يوميًا، ويستنكر قائلًا "أنا بشتري بالغالي ازاي أبيع بالرخيص!"، وساخطًا على الأسباب التي تُعلنها الحكومة، ففي كل مرة تخرج الأخبار مُبررة الارتفاع المستمر في أسعار مستلزمات المشروع، أحيانًا بسبب سعر الدولار، وأحيانًا أخرى تلوم الحرب الروسية الأوكرانية.
أزمة الأعلاف
شهدت واردات الأعلاف من ذروة 135.1 مليون دولار في يناير 2024، لتشهد نسبة انخفاض 15,1%، وبلغت واردات فول الصويا 101.3% مليون دولار بنسبة انخفاض 27.9% عن العام الماضي بنفس الشهر، وفقًا لنشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يناير 2024.
وفي مارس 2024، أصدر البنك المركزي، خلال اجتماع له، بتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية وفقًا لآليات السوق والعرض والطلب، وزيادة سعر الفائدة بواقع 600 نقطة.
وتُوضّح سليمة عباس، نائب مديرية الزراعة بأسوان لعين الأسواني، أن أسعار الأعلاف تشهد قفزات سريعة للمربين؛ آخرها وصول سعره الطن لـ 44 ألف جنيه، بعدما كان السعر أقل من النصف خلال الأشهر الماضية، وترتبط أسعار الأعلاف بمردود السوق، حتى وإن شهدت انخفاضًا لا تصل للنسبة التي كانت عليها قبل فترة طويلة، لذلك تأثير ذلك الانخفاض، لا يؤثر على أسعار اللحوم، ويكون الاعتماد الأكبر على استيراد الأعلاف بالدولار.
وتفسر سليمة أن فكرة توفير الأعلاف من المحاصيل المزروعة في أسوان مثل قصب السكر والنخيل ممكنة لاستخدامها في تربية الماشية، لكن يحتاج ذلك إلى تمويل مالي، ومديرية الزراعة جهة خدمية تقدم إرشادات للمزارعين، أما تمويل مشروع فيحتاج لاستثمار خارجي.
وأضافت قائلة "في الوجه البحري توجد مصانع للأعلاف، لكن تضطر لصناعتها إلى استيراد مواد بأسعار مرتفعة مما يرفع من أسعار الأعلاف، ويؤثر الأمر بشكل عام على نسبة الإنتاج الحيواني، وإذا توفرت الأعلاف سيكون هناك إقبال على تربية الماشية".
أشار تقرير وزارة الزراعة الأميركية في نوفمبر 2023، أن مصر تنتج 35% من الاحتياطي الخاص بها للأعلاف، وفي الوقت الذي يتعرض الاقتصاد المصري لضغوط بسبب ارتفاع التضخم وتأثير غزو روسيا لأوكرانيا، أدت الزيادات في أسعار الأعلاف الدولية إلى ارتفاع معدل الذبح وانخفاض في حجم الماشية، إلى جانب الصراع المستمر في السودان، الذي يُعدّ أكبر مورد للماشية الحية في مصر.