مع اقتراب عيد الأضحى، لم تعدّ الأسر المصرية تُفكر في شراء الأضحية، بل تُحاول على الأقل اكتفاء حاجتها منها أولًا، من بين تلك العائلات في أسوان؛ أسرة إسماعيل محمد التي لم تعد تزورهم اللحوم سوى مرتين شهريًا فقط، بعدما كانت وجبة أسبوعية على طاولتهم، فيما ستكتفي الأسرة هذا العيد بشراء كيلو ونصف من اللحم فقط، مع احتمالية حُصولهم على لحوم أضحية من دائرة المعارف.
وقد سجلت أسعار اللحوم الحية من بقر وجاموس زيادة مرتفعة، إذ بلغ سعر الكيلو "طازج" في مارس 2024، 402 جنيه، بينما سجّل السعر في نفس الشهر خلال العام الماضي 259 جنيهًا، بزيادة قدرها 55.1%، وذلك وفقًا للنشرة المعلوماتية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء مارس 2024.
في العام الماضي كان إسماعيل يشتري كيلو ونصف من اللحم بـ360 جنيه، أما اليوم فسيشتري نفس الكمية بـ600 جنيه، ويحصل إسماعيل الأب الذي لديه أربع أبناء على مرتب شهري قدره 8 آلاف جنيه، نظير عمله في شركة قطاع خاص.
قبل عشر سنوات من الآن كان إسماعيل يقوم بالتضحية كل عام، إلا أنه خلال العشر سنوات الأخيرة لم يتمكّن من التضحية سوى في عامين، كان آخرها عام 2022، ويقول "اشتريت وقتها خروف بـ4 آلاف جنيه، حصلت منها على 13 كيلو بعد الذبح، أما الآن وصل سعر الخروف 10 الآف جنيه".
في الماضي لم يكن يدخّر إسماعيل لشراء الخروف كل عام إلا قبل فترة بسيطة من شهر ذو الحجة، غير أن الحال تبدّل الآن؛ وصار الإنفاق على الطعام يستهلك المرتب الشهري "وحتى الادّخار الشهري قد لا يُحقق المبلغ المطلوب مع اقتراب العيد لأن السعر سوف يزداد كالعادة"، بحسب قوله.
اسماعيل ليس الأول ولا الأخير في قائمة تطول كثير من المصريين الذين لم يعد في مقدورهم التضحية؛ إذ يقول عبد الله السيد، أحد الجزارين في منطقة السيل، إن حركة البيع خلال المدة الحالية وصلت لأقل من النصف نظرًا لارتفاع أسعار كيلو اللحم، مُضيفًا "الزبون اللي كان بيشتري 2 كيلو بدأ يشتري كيلو واحد فقط".
من سوق دراو يشتري "عبدالله" الماشية التي يحتاجها لمحل جزارته، إلا أنه يرى أن الكمية المعروضة في الأسواق لم تعد مثل السابق "ليس أمامك إلا الشراء بهذه الأسعار لأن غيرك سيشتريها، خاصة في موسم عيد الأضحى يُفضّل التجار بيع الماشية للمضحين بسعر أعلى بديلًا عن بيعها للجزارين، ولا يجب أن يأتي زبون إلى المحل ولا يجد لدي لحوم سيضر بعملي وإذا تكرر الأمر من الممكن أن لا يأتي مرة أخرى".
يتفق معه دياب محمود، جزار ومربي ماشية في المدينة الصناعية، إذ يرى أن الإقبال على الشراء قلت نسبته عن السابق، ويقول "كنا بنقوم بدبح عجل أو اثنين في فترة الظهيرة أما الآن الذبح يبقى حتى المساء"، وفي حالة وجود كمية أخرى تُحفظ في ثلاجة المحل.
يقارن محمود أسعار اللحوم قبل عيد الأضحى الحالي والعام الماضي، إذ كان يبيع كيلو اللحم البقري البلدي بـ 250 جنيهًا، أما الآن سعر الكيلو سجل 360 جنيهًا، وبالنسبة للحم السوداني فكان يبيعه في المحل، لكن بعد اندلاع الحرب في السودان لم يعد سهل الحصول عليه، وأصبح سعر الكيلو حاليًا يقترب من سعر اللحم البلدي، إذ بلغ 320 جنيه بدلًا من 180 جنيه في العام الماضي.
واستكمل دياب موضحًا "في العام الماضي سعر أقل عجل كان بـ28 ألف جنيه، حاليًا سعره وصل لـ100 ألف جنيه، وسعر كيلو اللحم القائم 180 جنيه" وهو سعر كيلو وزن الماشية قبل ذبحها زيادة الأسعار لا تقتصر على ذلك، بل إن الأعلاف أيضًا تُكلّفه نفقات كثيرة، لم تكن بهذا الشكل في السابق، ففي حالة شرائه عجل من الممكن أن يبقى لديه لفترة تصل أحيانًا إلى شهر، ويضطر للإنفاق على الأعلاف بحوالي 4500 جنيهًا.
ويقول دياب إن المُستهلك لا يضع ذلك في حُسبانه، إذ أن التكاليف التي ينفقها الجزار تضطره لرفع سعر كيلو اللحم "بالتالي بعد كل المصروفات ونقل الماشية لن أبيع كيلو اللحم بالخسارة، لكن رب الأسرة معذور ويعاني من الغلاء مثلنا".
وفي سؤاله عن مبادرات بيع اللحوم بأسعار تبلغ 250 جنيه، ينفي احتمالية موافقة جزارين للبيع بهذا السعر "وإن وجد فبالتأكيد هي لحوم مستوردة أو ربما عجول مريضة"، ولا يعد دياب الأمر منطقيًا "لأن كثير من الزبائن لا تملك المعرفة بين أنواع اللحوم".
وقد نشرت وزارة الزراعة الأميركية، تقريرًا في نوفمبر 2023، أظهرت فيه البيانات انخفاض الاستهلاك المحلي للحوم البقري في مصر في السنة المالية لعام 2024 بنسبة 6% مقارنة بعام 2023، نتيجة انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع التضخم، الذي سجّل المركز الأول عالميًا خلال عام 2023 ثلاث مرات متتالية بنسبة وصلت إلى 36%.
بجانب عمله كجزار بالقرب من منطقة النفق يُمثّل عيد الأضحى لحسين جمعة موسم ذبح الماشية للمُضحيّن، ويرى أن معظم زبائنه التي تتردد على المحل لن تُضحّي هذا العام نظرًا لارتفاع أسعار الماشية.
يقول جمعة إن أسعار الماشية بدأت ترتفع بشكل كبير في الأشهر الماضية مع زيادة أسعار الأعلاف، وأصبحت وجبة علف واحدة للعجل تُكلّف 150 جنيها يوميًا بمعدل زيادة النصف، وبالتالي ارتفع سعر كيلو اللحم من 280 العام الماضي إلى 360 هذا العام حتى لا يحقق الجزار خسارة "وبجانب تكلفة الأعلاف، فيه نقل وتأمين وذبح".
مثل أسرة إسماعيل، قرر محمد علي وزوجته إلغاء بند شراء الأضاحي هذا العام لدخول ابنتهم الجامعة وإنفاق مبالغ أكبر لهذا العام الاستثنائي عن السنوات السابقة، خاصة مع ارتفاع أسعار الخراف هذا العام التي اعتادت أسرة محمد على أكلها في عيد الأضحى "كنا معتادين على شراء كيلو أو اتنين".
لم يعد دخل علي الشهري يُكفي للإنفاق على الأضحية، فمتوسط سعر أقل خروف 30 كيلو أصبح بـ10 آلاف جنيه، بعدما كان قبل خمس سنوات سعره 3 الآف جنيه، لذا سيكتفي علي بالإنفاق على الغذاء والتعليم، فبجانب ابنته التي ستدخل الجامعة، فلديه ابنان آخران في مراحل تعليمية مختلفة "ولا يمكن استقطاع جزء من الدخل الشهري الذي لا يتجاوز الـ8 آلاف جنيه".