بين التنمر والسمنة.. نظرات لا ترحم "البدناء"

تصميم | باسم حنيجل

كتب/ت آية بن عمر
2023-11-30 00:00:00


لأسابيع طويلة لازمت "حياة" منزلها، فضلت العزلة عن الناس بشكل اضطراري لا اختياري، نوبات الهلع كانت تداهمها كلما فكرت في الخروج إلى الشارع؛ لأنها تتذكر نظرات السخرية والتنمر، والتي باتت كابوسًا يلاحقها كلما انخرطت في تجمعات

"حياة"، اسم مستعار لفتاة في الثلاثين من عمرها، ليست سوى واحدة ممن يعانون الآمرّين من تنمر الناس؛ بسبب بدانتها، بعد إصابتها بمرض السمنة وهي في عمر الثالثة عشر، كان وزنها حينها 89 كيلو، ثم ظل بمرور السنوات يزيد إلى أن وصل إلى 250 كيلو.

تصف "حياة" التنمر والسخرية من جسمها بالتسلط الفكري، والذي يمارسه مجموعة من الأشخاص ممن لا يلقون بالًا ولا يراعون شعورًا ولا يدرون حجم الأضرار النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها من جراء أفعالهم.. تسأل بدهشة:«ألا يكفينا ما نعانيه من هذا المرض حتى يعمقوا مآسينا بالتهكم علينا!».

وتقول منظمة الصحة العالمية، إن حالات الانتحار في صفوف الأطفال بسبب التنمر آخذة في الزيادة، مشيرة إلى أن أكثر من 14 % من التلاميذ يفكرون في الانتحار.

ويؤثر مرض السمنة على وظائف القلب والشرايين والتنفس والكبد، ويؤدي إلى قصور في وظائف الكلى، وقد يصيب المريض بجلطات، بحسب تأكيد مراد علالة، رئيس جمعية جراحة السمنة والبدانة في تصريح إعلامي بإحدى البرامج الإذاعية.

وبلغت نسبة الأطفال المصابين بالسمنة في تونس 21 %، حسب تقديرات الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئة للمنتجات. 

لكن الهيكل الرسمي لوزارة الصحة يقول إن النسبة ترتفع إلى 50 % للأطفال من سن العاشرة.

وتشير تقديرات "علالة"، إلى أن نسبة النساء اللائي يعانين من البدانة المفرطة في تونس يصل إلى 22 %، والرجال 15 %.

وعالميًا ارتفعت معدلات السمنة ثلاثة أضعاف النسبة عن عام 1975، ومنذ عام 2016 يعاني أكثر من 650 مليون بالغ من السمنة وهو ما يقدر بـ 13 % من البالغين، كما تضاعفت النسبة بين الأطفال خلال العقدين الماضيين، حسبما كشفت منظمة الصحة في 2021.

تقول "حياة"، الفتاة الثلاثينة، لـ"المشعل": "المجتمع لا يرحم، أتعرض للتنمر الجسدي لمجرد خروجي للشارع"، وهذا يلقي بأعباء نفسية عليها.

وقال خبيران نفسيان، هما الدكتورة ياسمين العجيلي الغناي، أخصائية في الطب النفسي العلاجي السلوكي المعرفي، والدكتورة يسري الجملي، أخصائية في علاج الأمراض النفسية والاضطرابات، إن لجوء البعض للتنمر على الآخرين ليس سوى اضطراب نفسي لديهم وإدمان على سلوكيات عدوانية، أو معاناة من تفكك أسري، مؤكدان أن انتشار الألعاب الإلكترونية يعزز هذه السلوكيات.

وأضافا أن المجتمع أيضًا يفاقم معاناة مرضى السمنة من ضحايا التنمر، إذ يقودهم نفسيًا إلى كآبة وحزن وإحباط. 

ويعاني مرضى السمنة خلال مسعاهم للعلاج من عدم توفر أطباء مختصين بالمستشفى المحلي في بني خلاد. 

وفي هذا الصدد تقول إيمان زين، ممرضة في نفس المستشفى، إن أدوية مرضى السمنة لا تتوفر عادة في المستشفيات العمومية لأنها خاصة جدًا، وأكثر الأدوية المتوفرة في صيدليات هذه المستشفيات تهم مرضى السكرى وضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول.

ولازالت تتذكر "حياة" حادثة تنمر بكت فيها، حين تحسس أحدهم جسدها في غفلة منها، ثم أطلق ضحكات مدوية.

ويرى الكثيرون أن مرضى السمنة مجرد أشخاص لديهم شراهة في الأكل وجهلة وكسالى، في حين يفند عاطف بن براهم، خبير التغذية، هذه المعلومة بقوله: "إن معظم من يعانون السمنة هم ضحايا التغيرات الهرمونية والكيميائية في أجسادهم، وليس لديهم يد في ذلك، ومشكلاتهم الأكبر الجهل الغذائي المنتشر في ربوع العالم". 

وتتعلق "حياة" بالأمل في إنقاص وزنها، معترفة أن السمنة مرض يتطلب نظامًا علاجيًا نفسيًا ثم حمية ثم شفط الدهون، مضيفة: “لكن العلاج الطبيعي والرياضة أفضل الطرق رغم إجهادهما البدني، لكن في النهاية نحن نحتاج إلى الحق في أن نحيا داخل مجتمع يحترمنا".