تتوالى الأيام والأحداث يا سادتي الكرام، وحكايتنا هذه المرة تخرج من قرية صغيرة تقع بين سفحي جبل كبير وهضبة مليئة بالأشجار والخضرة البهيجة.
كان هناك فتاة جميلة المحيا، شعرها أشقر، بيضاء البشرة، طويلة القامة، لكن المسكينة كانت فقيرة للغاية اضطرت للعمل في بيت عمتها اللئيمة التي طالما عاملتها بسوء وشدة.
كانت المسكينة تحمل دلو الماء من أعلى التلة إلى بيت عمتها منذ الخامسة صباحًا، تغسل الأواني، وتعد الطعام، وتغسل الملابس، وتطعم الحيوانات في الزريبة؛ وبالرغم من تعبها كانت تعمل بجد وإخلاص حتى لا تعاقبها عمتها وتحرمها من أجرها الذي هي في أمس الحاجة إليه لإعالة أمها وأخوتها وشراء الدواء لها.
وفي إحدى الأيام عادت فرح لبيتها مسرعة فنسيت باب بيتها مفتوحًا وانغمست الفتاة في إعداد طعام العشاء ولم تنتبه لباب البيت.
أوشك العشاء على الانتهاء، فأعدت الفتاة الطاولة الصغيرة ووضعت عليها الصحون والخبز الساخن ثم أنهت الوليمة بطبق الحساء.
التفّت العائلة على المائدة متربعين على الأرض والبسمة على محياهم حامدين الله على نعمة الصحة والعافية.
وفجأة لمح أحمد أخو فرح كتلة بيضاء تدخل البيت سرعان ما أدركوا ماهيتها، فكانت أرنبة جميلة في غاية الجمال ناصعة البياض، ولكن المفاجئ في الأمر أن كل أفراد العائلة يرونها أرنبة ما عدى فرح تراها على حقيقتها!
كانت الأرنبة أميرة في غاية الجمال ترتدي أجمل الثياب، وتتحلى بأروع الحلي، يعلو رأسها تاج مرصّع بالألماس والأحجار الكريمة.
لكنها كانت حزينة، فسألتها فرح عن سبب ذلك فقالت لها إن زوجة أبيها الشريرة أصابتها بلعنة هي وأخاها ورمت بهما بين أشجار الهضبة.
ركنت فرح إلى مؤخرة الغرفة قرب أدواتها للخياطة فقربت منها الأميرة وهي تستمع لصوتها العذب الذي ملأ الغرفة البائسة، ولماّ أمعنت النظر أعجبت بعمل الفتاة الجميلة بالرغم من البؤس الذي يحيط بها نفخت في يديها وسرعان ما تراكمت الأقمشة أمام فرح طلبت منها الأميرة أن تخيط أقصى ما يمكنها ثم تساعدها على بيعها في السوق.
صاح الديك معلنًا بزوغ شمس يوم جديد، فتحت فرح ذراعيها لتصرف عن كتفيها آلام ليلة كاملة على آلة الخياطة؛ لكن سرعان ما ارتدت إلى الوراء من هول المفاجأة كانت الفساتين الجميلة تحيط بها وبريق قماشها يلمع في عينيها..
ابتسمت الأميرة وقالت لها: هذا جزاء الطيبين يا فتاتي احمليها واذهبي إلى السوق لبيعها وسترين سيبارك لك الله فيهم و ستنالين أفضل الأسعار فلا تيأسي من رحمة الله.
حملت فرح الحقيبة وعيناها تلمعان من شدة الفرح حتى أصبحت اسمًا على مسمّى والسعادة تغمرها من أخمص قدميها إلى رأسها.
كانت الأميرة معها في سلة فالجميع يراها أرنبًا بينما فرح الوحيدة التي تراها على حقيقتها البشرية يمشيان جنبًا إلى جنب.
وصلتا السوق وتوجهت إلى التاجر الذي طالما اعتادت الفتاة بيع منتوجها من خياطة الفساتين لأهل البلدة.
لكن هذه المرة كان اندهاشه وإعجابه بما قدمته يفوق الخيال ومن دون تردد قدم لها ما رآه مناسبًا من أجر وشكرها على إخلاصها في العمل وإتقانها له فهو يعرف ظروفها والحياة القاسية التي تعاني منها.
ولم يكتف بذلك بل قال لها: " تأكدي يا ابنتي منذ اليوم سآخذ كل ما تصنعينه وبالثمن الذي يرضي الله وهو ليس من فراغ بل جزاء إخلاصك في العمل وإتقانك له بارك الله لك في صحتك وجعلك من صالح العباد وأتقاهم.
ابتسمت الأميرة وقالت لفرح: "من اليوم لن تحتاجي للعمل في بيت عمتك اللّئيمة و سيبارك لك الله فيما تعملين."
أشرق وجه فرح من السعادة واغرورقت عيناها دموعا شاكرة الأميرة من قلبها ثم عادتا للبيت مرة أخرى، وفي طريقها رأت جمعًا من الأطفال المشاغبين يركلون أرنبًا مسكينًا تقوقع على نفسه من شدة الخوف فهرولت نحوهم لإنقاذه لكن ما فتئت ترى الأميرة تبكي وهي تقول إنه أخي يا فرح ولا يمكنك رؤيته على شكل إنسان كما هو الحال معي فوحدها امرأة طيبة مسنة هي التي تراه على شكل أمير وليس أرنب.
حملت فرح الأرنب بين ذراعيها ووضعته في سلتها بجانب أخته عائدين للبيت عسى أن يجدوا حلًا لفك التعويذة وإعادتهم إلى سابق عهدهم كبشر.
وما أن دخلا حتى نظرت الأم متسائلة من ذلك الشاب يا ابنتي ولماذا هو معك؟
وما إن نطقت الأم بتلك الكلمات حتى انتفض الأرنبان من السلة ليعودا إلى هيئتهما البشرية من جديد فحل التعويذة كان أن تنطق امرأة صالحة وطيبة بالسؤال أول ما ترى الشاب أمامها.
عمّت السعادة المكان بأسره وفرح الجميع بعودة الأمور لنصابها
وفي ذلك الحين قبل الأمير يد الأم الطيبة وطلب منها يد فرح للزواج.
أشرق وجه الأم فرحًا وقالت: "صدق من قال الطيبون للطيبات".