الميلاد والموت أساس دورة الإنسان على الأرض، بداية ونهاية، نور الحياة والنهاية بالموت، وقصتنا أساسها رحلة الموت لإحدى العائلات.
في هذه الليلة بإحدى القرى اشتمل السامر بعباءات العام القادم من أعماق الكون، ثم دخل العم فتحي بوجهه الأسطوري وأنفه ويديّه المرتعشتيّن، استند إلى باب المنزل، ثم خاطب زوجته وقال : « لم يرزقنا الله بأطفال ولم يكن لنا نصيب في الخلفة والدنيا لن تتوقف عند هذا الحد.. سنتبنى طفلًا نتخذه ولدًا".
رأت زوجته وجاهة في رأيه، واتفقا على بناء الحلم وسط مسالك ودروب الحياة، تحقق حلمهما، وجاء الولد وساد الفرح وعمت البهجة المنزل.
السنوات تمر والولد يكبر ومعه الحلم، صار شابًا يافعًا وحظى بتربية جيدة، اكتسب صداقات الكثيرين في الحي وخارجه؛ يعود هذا لسلوكه وأخلاقه وصدقه.
لكن الحياة لا تخلو مما يُعكر صفو أبنائها، فجأة انقلبت سعادة الأب والأم وعادا إلى نقطة البداية؛ حين أصيب الفتى بجرثومة استلزمت دخوله المستشفى لعدة أيام.
مكث الشاب أسبوعًا في المستشفى، الأطباء يذهبون ويعودون، يقولون حالته تتحسن، الطمأنينة ملأت قلب الرجل وزوجته.
في صباح باكر إحدى الأيام ساد الصمت، جاءتهم الأنباء، مات الحلم، غادر الشاب الحياة بعد معاناة مع المرض.
تحولت فرحة سكان الحي إلى مأتم، الكبير والصغير يبكي؛ الكل شعر بضيق الدنيا، علت أصوات النواح منزل الأب والأم، لا يصدقان أن الفتى غادر، حتى جاءهما الجثمان من المستشفى.
بدأت مراسم الوداع، لُف الجسد بالكفن الأبيض المخيف، انطلق الشاب في رحلته الأخيرة للصلاة عليه في الجامع والدعاء له بالرحمة والمغفرة.
علت أصوات المُصلين بالتكبيرات "الله أكبر، الله أكبر"، دُفن الشاب، وسقيت تربته بدموع المودعين من أحبابه.
هكذا عادت العائلة إلى الظلام.. والآن فهمنا المعنى الحقيقى لكلمة الموت فهو الرحلة إلى العالم الثاني.