من كوبري دار السلام حتى "الملّف"؛ أي مسافة 2.2 كيلو و31 دقيقة من السير، يمتد شارع "الفيوم"، أحد الشوارع الرئيسية والهامة في حياة سكان حي دار السلام. ففي "الفيوم"، تتمركز أغلب خدمات الحي الرسمية، مثل الإدارة التعليمية، ومجمع المدارس، الذي يشمل 6 مدارس؛ ثلاث للمرحلة الإبتدائية ومدرستان إعدادية ومدرسة واحدة للثانوية عامة للبنات، وهي الوحيدة بالمنطقة، فيما تقع عدة مراكز دروس خصوصية بالشارع بسبب ارتباطه بحركة المدارس والطلاب، وكذلك سنترال دار السلام الرئيسي، وثلاث نقاط مخصصة لشرطة المرور، خرجت جميعها عن الخدمة منذ 2010.
كما يعتبر الشارع مسلكًا رئيسيًا لمن يتوجه إلى كورنيش المعادي، وشارع "أبو طالب" التجاري الشهير والمؤدي لمحطة مترو الأنفاق بالحي، بينما يوازي "الفيوم" شارع تجاري آخر، وهو شارع "التل" الذي يتسع لمرور سيارة واحدة مع احتلال معروضات المحال والباعة الجائلين لحارة مرورية أخرى.
ورغم حيوية الشارع وأهميته، لا يبدو المشهد على أرض الواقع يتناسب مع ذلك الوضع. ففيما تستقر مواقف الميكروباص والتوكتوك العشوائيين على طرفي الكوبري في الاتجاهين، بما يُشكّل فوضى وزحام لكل زوار وسكان الحي.
استقرار المواقف العشوائية بطرفي الكوبري يُعلّله وقوع شارع "أبو طالب" التجاري الشهير والمؤدي لمحطة مترو الأنفاق بالحي، فيما يوازي شارع الفيوم بطوله شارع تجاري آخر، وهو شارع "التل" الذي يتسع لمرور سيارة واحدة مع احتلال معروضات المحال والباعة الجائلين لحارة مرورية أخرى.
تلك الفوضى المُنظّمة تدفع المشاه إجباريًا، على خوض معركة يومية مع سيارات الميكروباص المتهالكة والتوكتوك، يتنافسون فيها جمعيًا على السير بحارة مرورية واحدة مُتبقية في الاتجاهين، بجانب سلوك معظم سيارات الأجرة والتوكتوك في السير عكس الاتجاه.
وبينما يتسّع الاتجاه الواحد بشارع الفيوم لـ5 حارات مرورية ، تتوسطه جزيرة صغيرة لا تتعدى 70 سنتيمترًا، إلّا أن عدم تواجد تنظيم مروري لسياراته، ولا إداري لمحاله، يجعل واقعه أن المرور فيه يقتصر على حارة واحدة فقط للسيارات، وتختفي تقريبًا أرصفته الممتدة على طرفيه، وتتراوح بين ثلاثة أمتار في الغالب ومتر ونصف في بعض المواقع، من أجل معروضات المحال التجارية وعربات الباعة الجائلين التي تفترش الأرصفة، ويضطر المشاة أن يزاحموا السيارات للعبور من الشارع.
"محاولة البحث عن حلول"
يسكن معاذ كثيري -24 عام- في نهاية شارع الفيوم، الشهيرة بمنطقة "الملّف"، قضى طفولته في الشارع بسبب ارتباط مدرسته ودروسه بالشارع، ثم الطريق لجامعته، وحاليًا ربط مواعيد عمله بمواعيد الشارع بسبب الزحام، فصار يُفضّل تخصيص جزء من راتبه في استخدام تطبيقات التوصيل، بدلًا من المشي للموقف أو محطة المترو.
وتحصل تلك التطبيقات على 40% من راتب "معاذ"، بفاتورة تُقارب 1500 جنيه شهريًا، يسددها من وإلى عمله كمصور بشركة دعاية وإعلان.
ويتطلب عمل "معاذ" مجهود وطاقة يهتم بتوفيرهما لساعات عمله، وفي نهاية الشهر ومع انتهاء راتبه، يضطر لخوض رحلة السير بالشارع من بدايته حتى موقف "الميكروباصات"، لمدة 31 دقيقة تقريبًا، يزاحم فيها غالبًا السيارات بسبب إشغالات المحلات التي تحتل الرصيف، يعلق قائلًا: " نفسي أمشي على الرصيف، اللي بتستغله المحلات لعرض منتجاتها، مهما شوفت حملات إشغالات من الحي، بترجع المحلات تاني تحط منتجاتها".
"سيستم العشوائية"
ورغم ما يبدو عليه المشهد من عشوائية مزعجة، إلا أنها في الحقيقة، تخضع لـ "سيستم" واضح، غير رسمي. فالإشغالات الممتدة على طول الرصيف، ليست بالصدفة، بل تأتي عبر اتفاقات، يسدد عبرها أصحاب المحال أو الباعة الجائلين، ايجارات شهرية تحت مُسمّى "الأرضية".
منذ 10 أعوام افتتح محمود محمد-اسم مستعار- محل سوبر ماركت بشارع الفيوم، ووصل إيجار المحل في العام الحالي لـ 15 ألف جنيه شهريًا، بسبب معرفة الملاك بأهمية الشارع تجاريًا، بالرغم من أن مساحة المحل لا تتعدى الـ 2 متر، ويمتلئ المحل بالبضاعة دون مساحة لحركته أو حركة الزبائن، لذلك يستخدم الرصيف ليوفر مساحة لباقي المحل، ولا يوجد مساحة لسير المواطنين بسبب أخذه الرصيف كاملًا.
يرى محمد أن ذلك حقه وحق باقي مستأجرين المحلات، بسبب صغر مساحة المحلات مقابل سعر الإيجار المرتفع، وأن الرصيف في الأساس مصمم بشكل خاطيء، فمساحته صغيرة ولا تتسع لسير أكثر من فردين، واصفًا الشارع "المنطقة عشوائية في الأساس، ومفيهاش تنظيم ولا تخطيط، والعربيات والميكروباصات بتركن في كل حتة، طبيعي أننا نحاول ندور على طريقة لعرض المنتجات والبيع".
قرر طارق أنور -مدير محل بن- ألا يضع مُستلزمات وبضائع المحل على الرصيف، فهو واحد من سكان الشارع والمتضررين من أزمة إشغالات المحلات، وقد قرر ألا يضع مصلحته مُقابل حق المواطنين في استخدام الطريق.
أنور ليس الوحيد الذي فكّر بتلك الطريقة، إذ يوجد عدد من الملتزمين بمساحة المحل والرصيف، لتوفير مساحة للمواطنين بالرصيف، وحتى لا يتعرضوا لحملات الإشغالات أيضًا، إلا أن ذلك لا يُحدث تأثيرًا كافيًا.
بحثت "صوت السلام" عن بائع جائل يلجأ إلى تأجير أرضية بالشارع، لعرض منتجاته على عربة، بحُجّة حجز تأجير أرضية لأحد البائعين، وأوضح أنه يدفع 50 جنيه في اليوم لصاحب المحل المقابل للمكان الذي يقف فيه، بمعدل 1500 جنيه في الشهر، بينما يتراوح سعر تأجير الأرضية بشارع الفيوم من 50 إلى 100 جنيه يوميًا.
وفي شارع أبو طالب يرتفع سعر إيجار المساحة أمام أي محل لـ 150 أو 200 جنيه يوميًا، بسبب زيادة حركة البيع والشراء به، بينما تواصلنا مع بائع جائل آخر بالشارع، يدفع ٧٠ جنيه في اليوم لمالك العقار الذي يقف أمامه، بمعدل ٢١٠٠ في الشهر.
بعض الملاك يوافقون على وقوف بعض البائعين دون تأجير، حسب قرار الملاك أنفسهم، وموقفهم من تأجير الأرضية، بينما تظل حملة الإشغالات "البلدية" شبح يُلاحقهم ويهدد عملهم بشكل يومي أو خسارة بضائعهم، بينما التأجير يضمن لهم حماية من مؤجرين الأرضية وتوفير مكان لهم بداخل العقار أو المحل لوضع بضائعهم، في حالة معرفة خبر وصول الحملة بالشارع.