بدا كل شيء عاديًا لـ "عبدالله بدوي"، الموظف في مجال المقاولات الهندسية، حين بدأ يوم عمله بالسفر صباح السبت 27 يوليو الماضي، حيث توجه لموقف "كوم أمبو" ليستقل سيارة الأجرة "الميكروباص" المتوجهة إلى "نصر النوبة". الموقف مُكتظ بالركاب والسائقين جالسين على مقاعد القيادة، لكن الجميع انخرط في مشادات، لم تتضح أسبابها لـ"عبدالله" إلا مع استقراره على أحد مقاعد الميكروباص، ليصيح به السائق : "الأجرة 15 جنيه يا أستاذ، البنزين والجاز غليوا".
المشادّات والغضب حول أسعار الوقود، أصبحا موجة غضب بين مستخدمي المواصلات العامة وأصحاب السيارات، بعد أن أعلنت لجنة تسعير المواد البترولية عن زيادة جديدة في أسعار البنزين والسولار بنسبة تتراوح بين 10 لـ 15%، ونشرت الجريدة الرسمية الأسعار، في 25 يوليو الماضي، لتُصاحب تلك القرارات ارتفاعات في "تسعيرة" وسائل المواصلات الداخلية بمراكز محافظة أسوان.
وزارة البترول أعلنت رفع أسعار بنزين 80 من 11 جنيهًا إلى 12.25 جنيهًا لكل لتر، وبنزين 92 من 12.50 إلى 13.75 جنيهًا لكل لتر، وبنزين 95 من 13.50 جنيه إلى 15 جنيهًا لكل لتر، وسعر بيع اللتر من السولار 11.5 جنيهًا.
تضارب أسعار
أربكت المُعادلات التصاعدية في الأسعار والأجرة، حسابات وميزانية "عبد الله"، الذي يسافر يوميًا، بحكم عمله، مُنطلقًا من موقف كوم امبو إلى نصر النوبة، ولمرتين في الأسبوع يستقل "ميكروباص" من خط كوم أمبو إلى موقف الأقاليم بمدينة أسوان، ويوضح لـ"عين الأسواني": "كنت أنفق في مشوار السفر في حدود ساعة من موقف الأقاليم بمدينة أسوان إلى موقف كوم أمبو حوالي 13 جنيه، في الوقت التي حددت فيه تعريفة الركوب من قبل المحافظة بـ 11 جنيه ونصف، أما اليوم التعريفة الجديدة فتم تحديدها بـ 13 جنيه لكن السائقين يطالبوننا بدفع 15 جنيه".
يفسر عبدالله أزمة ميوانيته قائلا: "في مشوار العمل اليومي من نصر النوبة إلى كوم أمبو كنت أدفع 6 جنيهات في الوقت التي كانت التعريفة الرسمية 3 جنيهات وربع، أما الآن يطالبنا السائقين بدفع سبع جنيهات ونصف، بنسبة زيادة تفوق 50%، ما يرفع مصروفات المواصلات شهريًا بقيمة 225 جنيه في رحلتي الذهاب والإياب بين كوم أمبو ونصر النوبة. ويتابع قائلًا إنه على الرغم من وجود إدارة بالموقف إلا أن موقفها ضبابي، وفي حالة اعتراض الركاب على الأجرة التي يجبرهم على سدادها السائقين، يمتنع السائقين عن بدء الرحلة، ولأن كل شخص لديه مصالح فيضطر الجميع إلى دفع السعر الذي يريده السائق.
غياب الرقابة
في نفس يوم تطبيق القرار رصدت عين الأسواني سعر تطبيق التسعيرة من موقف إدفو في اتجاه خط قرية الرمادي بإدفو، ليُعلن السائق رفع الأجرة إلى عشرة جنيهات وسط تذمر بعض الركاب، إلا أن السائق قرر الامتناع عن إكمال الرحلة، ليتراجع الركاب، فيُكمل السائق رحلته وفق الأجرة التي حددها، في غياب تام لأجهزة الرقابة داخل الموقف، فوفق التعريفة التي نشرتها الصفحة الرسمية لمحافظة أسوان، فالرحلة على خط إدفو-الرمادي تعريفتها 4 جنيهات ونصف فقط، فيما يُجبَر الركاب على سداد تعريفة تزيد عن ضعف التعريفة الرسمية.
ووفقًا لآراء عدد من المواطنين في مناطق مختلفة بمحافظة أسوان فقد استنكروا زيادة سعر أجرة المواصلات الداخلية للمحافظة، بما لا يُطابق قرار التسعيرة الجديد التي أعلنت عنه المحافظة في بيانها على صفحتها الرسمية على فيسبوك، وهو الاستنكار الذي اتضح عبر تعليقات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بضرورة تشديد الرقابة على السائقين في مواقف المرور.
تقطيع الرحلة
وخلال جولة تفقدية له في اليوم الأول بعد تطبيق أسعار المنتجات البترولية الجديدة، شدّد اللواء دكتور إسماعيل كمال، محافظ أسوان، على إلزام تركيب التعريفة الجديدة على زجاج السيارة، فضلاً عن تركيب لوحات توضيحية داخل كل موقف، وأوضح أن التعريفة تم وضعها وفقًا لمعايير محددة حسب كثافة الخط داخل حدود المحافظة، ومراعاة أسعار قطع الغيار والزيوت بهدف تحقيق التوازن بين الراكب وسائقي السرفيس.
تشديدات المحافظ لم تُنقذ فاطمة محمد، في مشوارها المدرسي الذي تخوضه لخمسة أيام أسبوعيًا، حيث تستقل "ميكروباص" من موقف السيل بمدينة أسوان إلى مدرستها الثانوية بشارع كورنيش أسوان، ورغم أن المسافة تحتاج إلى استقلال وسيلة مواصلات واحدة، وفقًا لخطوط السير الرسمية لسيارات "السيرفيس"، إلا أن الميكروباص يتوقف في منتصف الطريق ويُلقي بركابه إلى الطريق، لتنتظر فاطمة وآخرين ميكروباص آخر، لينقلها إلى شارع الكورنيش التي تستقر بها مدرستها.
فالمسافة التي من المفترض أن تدفع فاطمة مُقابلها ثلاثة جنيهات، تضطر فيها لدفع ستة جنيهات، إذ تُنفق يوميًا في رحلة الذهاب والعودة 12 جنيهًا بدلًا من الـ6 المفترضة وفقًا للتعريفة وخطوط السير الرسميين.
قرارات غير نافذة
لم يكن قرار المحافظ الحالي لمحافظة أسوان، هو الأول من حيث عدم جدواه على أرض الواقع بالنسبة لفاطمة وركاب آخرين يستقلون سيارات موقف السيل، ففي يوليو 2023 أصدر محافظ أسوان السابق اللواء أشرف عطية، قرارًا بإصدار تعريفة جديدة للمواصلات بعد رفع سعر البنزين حينها، وأوضحت قرارات المحافظ السابق، أن تعريفة نصف المسافة في خط موقف الأقاليم- موقف السيل، هي جنيه وربع فقط، و3 جنيهات لركاب الرحلة الكاملة، وهو ما لم تستفد منه فاطمة أيضًا لعدم التزام السائقين به وغياب الرقابة عليهم.
تروي فاطمة باستياء: "كنت أنفق 240 جنيه شهريًا فقط للمواصلات العامة أثناء ذهابي للمدرسة قبل قرار التعريفة الأخير، إلا أن الزيادة ستزيد من نفقاتي بعد بدء العام الدراسي في سبتمبر القادم، وذلك فقط بدون إضافة تكلفة المواصلات أثناء ذهابي إلى الدروس الخصوصية".
وعلى الجانب الآخر، قال كريم الششتاوي سائق بمدينة اسوان لعين الأسواني إن التسعيرة المُقررة بين المناطق لا تتناسب مع طبيعة خط السير، مُفسرًا "بمقارنة طبيعة خط موقف السيل إلى كورنيش أسوان لا يجب أن يتساوى مع منطقة الصداقة الجديدة، التي بها عدة مرتفعات تستهلك بنزين أكثر وتستنزف السيارة، فالتعريفة غير عادلة بالمرة".
إعادة نظر
يستخدم كريم بنزين 92، ويحتاج إلى تعبئة السيارة مرتين بقيمة 500 جنيه في "وردية" اليوم الواحد، ويُعلّق قائلًا "ما أحصل عليه من مكسب، أنفق ربعه في الأقساط وربع في البنزين وربع للتصليحات وربع آخر لي، وأنا ليس لدي مجال حتى أضحي بسيارتي لتفويلها بالغاز، رغم أن سعره أقل، إلا أنه مع الوقت يُسبب تلف للسيارة، ويستكمل قائلًا "بعد الأسعار دي المهنة مبقتش سد، نحتاج رقابة على تجزئة خط السير لأكثر من مرة التي يتبعها السائقين والسير في اتجاهات غير المقررة عليهم وإعادة النظر في التسعيرة وفقًا للطبيعة الجغرافية للمسافة".
أما صالح محمد سائق بمدينة أسوان فيتعجّب من تعريفة الأجرة التي هي في الأساس لا تكفي نفقات السيارة موضحًا "التعريفة التي قررتها المحافظة من موقف السيل إلى الأقاليم 3 جنيهات ونصف غير منطقية لـ14 شخص في السيارة، لا تكفي في الأسبوع الإنفاق على الوقود وأعطال السيارة والمخالفات، إلى جانب إصدار التراخيص والتأمينات التي تتخطى عشرة ألاف جنيه للسيارة"، كل ذلك بجانب تغيير زيت السيارة بـ 800 جنيه أسبوعيًا، إلى جانب السولار الذي تستهلكه السيارة باستمرار.
يُذكر أنه خلال الثلاثة أعوام الأخيرة شهدت أسعار الوقود ارتفاعًا لأكثر من مرة، آخرها مرتين خلال عام 2024، ولن تكون الزيادة الأخيرة، بل تمهيدًا لزيادات تدريجية في المستقبل لأسعار الوقود، وفق تصريح حمدي عبدالعزيز، المتحدث الرسمي لوزارة البترول، خلال مداخلة هاتفية على قناة إكسترا نيوز، نهاية يوليو الماضي، لحين الوصول إلى نقطة التعادل بين الأسعار العالمية والتكلفة المحلية.