على خشبة مسرح الساحة الكبيرة في بيت السناري بمنطقة السيدة زينب، كان أول عرض للمسرح الدامج لذوي الاحتياجات الخاصة، والذي لاقى تفاعلًا قويًا من قبل الجماهير لمدة ساعة كاملة، عبر فريق مكون من 12 ممثلًا.
«ضي» أول فريق يقدم مسرحًا دامجًا، بهدف إحداث دمج بين الممثلين وذوي الإعاقات، من حيث طبيعة الفعل الدرامي ومستوى التلقي، من خلال عرض مسرحية «40 ميلاً نحو الشمال» بشكل مجاني، تأليف عبدالرحمن حمامصي، إعداد وإخراج سلمى محمد.
يتكون الفريق من 12 ممثلًا قدم للجمهور مسرح دامج بين ذوي الاحتياجات الخاصة وممثلين محترفين بالمجال، أسسه أحمد سميري، وهو أيضًا من ذوي الإعاقة. تحدثنا معه عن نشأة الفريق وما التحديات التي يمرون بها والعرض الذي قدموه.
في البداية يحكي سمير، أنه منذ 10 سنوات أهداه صديق له اشتراك في ورشة حكي، للاحتفال بعيد ميلاده وبالفعل حضر الورشة، وبعد انتهائها قرر أن يقيم كيان خاص بذوي الإعاقة، بسبب طريقة تعامل المدرب معه ومع طبيعة إعاقته والتي جعلته يشعر بأنه مختلف عن باقي الممثلين.
يقول: «قررت اللجوء إلى المسرح الدامج لتحقيق هدف الدمج، فهو نوع مسرح متخصص في دمج صناع العرض الذين من ذوي الإعاقة ومع ممثلين آخرين، والانطلاق إلى دمجهم في المجتمع، وتقديم مسرح يُبنى في أساسه على تمثيل ذوي الإعاقة أمام الجماهير».
من هنا انطلقت فرقة «ضي» للمسرح الدامج في العام 2022، إذ يؤكد سمير أنها من الأفكار القوية التي لها أثر واضح في المسرح: «الفكرة تؤكد أن الدعم لذوي الإعاقة لا يكون بطريقة الوعظ فقط، ولكن يمكن دعمهم من خلال تقديم مسرح يشملهم، دون الإشارة إلى إعاقتهم فقط».
تقوم الفرقة على الدعم الذاتي دون تمويل من أي هيئة، ويفسر سمير ذلك بأنهم فريق غير هادف للربح، لأن الورش التي يقدمونها إلى الممثلين مجانية والعروض أيضًا، بهدف نشر الفكرة والوصول إلى دعم مادي قريب.
بعد عامين من تأسيس الفرقة، باتت تضم دفعتان من الممثلين ذوي الإعاقة، منهم أحمد عبادي، موظف حكومي، وممثل في الدفعة الثانية من الفرقة، يقول إنه مع انضمامه إلى الفرقة كانت المرة الأولى التي يقف فيها على خشبة مسرح.
كان يشعر بالقلق من أن إعاقته تمنعه من الوقوف على المسرح، لكنه تحدى نفسه من أجل تغيير صورة ذوي الإعاقة في الدراما، التي تظهرهم في دور الضعيف رغم أنهم مؤثرون في المسرح والسينما.
ولاقى عرض «40 ميلًا نحو الشمال» تفاعلًا ضخمًا من الجمهور على التمثيل والديكور وغيره، يقول عبدالله أنور، مصمم ديكور العرض، أنه حاول تقديم رؤية بصرية تدعم الممثلين، لذلك عمد إلى تصميم ديكور مجرد تمامًا حتى يدعم حركة الممثلين على المسرح.
واجه عبدالله تحدي إنشاء ديكور وخشبة مسرح في مكان أثري وليس مسرح، يضيف: «استخدمت المدرسة الانطباعية في الديكور، التي تنتمي إلى الرسام فان جوخ، كانت أعماله تشبه حالة الممثلين في العرض، بين اليأس ومحاولات البحث عن أمل، وانسجمت مع الفكرة التي يقدمها العرض وهي الهجرة غير الشرعية».
ويعد الإخراج هو أحد أعمدة أي عمل مسرحي، لذلك تحدثنا مع سلمى محمد، مخرجة العرض، التي توضح أنها المرة الأولى لها للعمل على مسرح دامج، إذ انضمت للفرقة منذ ثلاثة أشهر: «التجربة فرقة في نظرتي لهذا النوع من المسرح».
تقول: «على مدار التدريبات في البروفات كان الممثلون من ذوي الاحتياجات الخاصة هم الأكثر تفاعلًا معي، وجعلوا الجماهير في حالة احترام خاصة لتلك القدرات ودمجها اجتماعيًا وفنيًا».
كانت سلمى قلقة من أن العرض يكون فيه صورة المسرح الوعظي، ويهمش ذوي الإعاقة أو يساعد في تأكيد الصورة النمطية عنهم، التي تصدرها أغلب الأعمال الدرامية لسنوات، لكنها انبهرت بالفرقة وطريقة عملهم، حتى مع تمارين إعداد الممثل التي تعتمد على المجهود البدني، كانت تجد منهم تحديًا ومحاولات لتنفيذها.
تشعر سلمى أن المسرح الدامج هو من أكثر تجارب العمل الإنسانية التي مرت بها، لتعرف أكثر عن حياة ذوي الإعاقة ومصطلحات مثل الدمج، متمنية أن تعيد نفس التجربة سواء مع فرقة «ضي» أو غيرها من فرق المسرح الدامج.