تهب رائحة الخريف حاملة معها كل ما يخص موسم عودة المدارس، يمتزج الجو المميز مع رائحة الألوان على حوائط المدارس، لتأخذنا إلى لوحة جدارية، ليست في متحف مشهور، بل معروضة بشكل يومي نراها في الطريق إلى أعمالنا أو مدارسنا.
لم يكن يعلم خالد عمران ـ أحد سكان دار السلام ـ أن الرسم سيصبح أهم شئ بحياته وأن موهبته قديمًا سوف تصير مصدر دخله وشغفه.
الرجل الذي يبلغ من العمر ٥٢ عامًا، ويعمل مدرس تربية فنية بمدرسة المعادى الثانوية بنين، إلى جانب عمله الأساسي، كرسام محترف على حوائط المدارس منذ ٢٠ عام.
حين تلمس الفرشاة الحائط، يتذكر أول مرة اكتشف حبه للرسم عندما كان في الصف الخامس الإبتدائي، خلال حصة التربية الفنية، لكن ظل هذا الحب حبيس كراسة الرسم "الاسكتش"، ما دفعه لجعل هذا الحب وظيفته، وما يقوم به بشكل يومي، من خلال مادة التربية الفنية.
بعد مدة زمنية، أخذه هذا الحب إلى تجربة جديدة، وهي تجربة الرسم على حوائط المدارس، التجربة التي كان هدفها في البداية تحسين الدخل، لكن بعد وقت صارت ملهمة له ولمن حوله.
استخدم طريقة جديدة في التعليم مع الطلبة، عبر الخروج عن حدود"الاسكتش"، وشرح كيفية الرسم على الحائط للطلاب، وشرح التقنيات، والأدوات القديمة والحديثة التي تستخدم في الرسم على الحائط، كما اكتشف أن رسمه مميز، من خلال الآراء التي يسمعها عنه، فروحه المحبة للرسم تظهر في كل حائط تلمسه فرشاته.
يحكي خالد موقف كان سبب في سعادته، عندما أخبره صديقه أنه " شاف روحه في الرسم"، عندما رآه على حوائط مدرسة، ولم يكن يعلم من هو الرسام، ومن خلال طريقة الرسم والألوان المميزة خمن أنه رسم خالد.
خلال رحلة خالد في هذا المجال، بدأ يتابع كل ما هو جديد، من خلال الإنترنت، وتحديدًا اليوتيوب الذي يساعده بشكل كبير في تطوير أسلوبه، فرغم اعتماد الرسم على الحائط، على أدوات بسيطة، وهي دهان الحائط والفرشاة، إلا أن خالد بعد اطلاعه على الأجهزة الجديدة، قرر شراء أجهزة الرش واجهزة ضغط الهواء، لتجعل الرسم أسهل وأسرع.
ذلك التطور لم يتوقف على الأدوات فقط، بل اتجه إلى طاقته الإبداعية، وظهر ذلك من خلال إدراك خالد أن الجمل المألوفة، التي تكتب على حوائط المدارس منذ سنوات، أصبحت غير مناسبة للجيل الحالي، وأنها غير معتمدة على الإبداع، وتُنقل من الإرشادات الموجودة في نهاية الكتب.
يرى أيضًا أن سياسة المدارس في الفترة الأخيرة، تغيرت لأنهم أصبحوا يبحثون عن تجميل المدرسة، وليس كتابة هذه الجمل المحفوظة، لذلك أخذ مساحته في الإبداع، وأصبح كل الرسم الموجود على الحائط من اختياره.
يحكي خالد عن المستقبل الذي يتمناه، وهو أن يكون جزء من مشاريع ومبادرات لتجميل الشوارع، ليست العمومية والمهمة فقط، ولكن تجميل الشوارع الجانبية، في مناطق مثل دار السلام، لأنه يرى أن ذلك سيؤثر على نفسية السكان والعابرين في الشارع للأفضل، وسيفرق في يومهم ونظرتهم للحياة.