كبرت اليوم يا أمي! مر على عيد الأم ومن بعده بدأ شهر رمضان، وأصبحت الفتاة الصغيرة المُدلـلة التي تركت أحضان والدتها.. لتصبح الإبنة والأم والصديقة لنفسها.
منذ أشهر قليلة تركت بيتي وبلادي وأحضان أمي، لأبدأ دراستي كما كنت أريدها، يملئني الحماس و لهفة المراهقة لحياة جديدة في مكان جديد و مُختلف تمامًا.. ربما كنت أتخيل أن الحياة ستكون بالسلاسة والسهولة التي اعتدت عليها في بيتي لكن لم تكن يومًا هكذا، أيقنت ان سلاسة الحياة لأني بين جدران بيتي و قلب أمي.
في عمر الـ١٨ أصبحت أمًا مسئولة ومدبرة منزل كان من الصعب أن أكون أمًا لنفسي في غربتي، وأتساءل كيف كانت أمي تتعامل مع شاب وفتاة مراهقة! تحولت كل أفكاري بين كيف سأقضي نزهاتي مع صديقاتي اليوم، إلى ماذا سأشتري اليوم للمنزل!
أتدبر إنفاق مصروفي الشهري وأحدد أولويات مطبخي اولاً، ثم اولوياتي الشخصية التي تغيرت من أمور فتاة في عقدها الثاني من العمر إلى تفكير أم تحمل هم بيتها، أنظر لبيتي ماذا ينقصه هذا اليوم؟ كيف سيكون شكل الغرفة إذا وضعت زهرية أو صورة جديدة هنا!
أفكر في منزلي و أصدقائي اللواتي أصبحت أمًا لهم فالغربة، أطبخ وأحفظ وجباتهن المفضلة وألاحق الزمن لأنهي مهامي اليومية.
وها قد حل عليّ شهر رمضان لأول مرة من دون أمي وعائلتي، اسميه شهر روحانيات العائلة.. كنت البنت الوحيدة على عدة أولاد في المنزل، أتولي كل المهام مع امي وجدتي وخالتي، بدايةً من تبضع لرمضان حتي الزينة والفوانيس المُعلقة في المنزل.
الأن بيتي يخلو من الزينة والفوانيس، لم يفكر أحد قط بمظاهر احتفال وروحانيات الشهر، وغرفتي في السكن الجامعي ساكنة لا تُسمع فيها حركة، لا تزينها الأنوار ولا ألوان زينة رمضان والفانوس كغرفتي في المنصورة.
غرفتي الآن قاتمة، مليئة بالحزن الشديد، حتى فانوسي الجديد لم يشعرني ببهجة رمضان.. أتكون البهجة في بيتنا فقط أم هي مرتبطة بحضن أمي ودفئ أسرتي!
شعرت بكل معاناة أمي والوقت يتسرب من بين أصابعها في نهار رمضان -كما كانت تقول دائمًا- تخرج من عملها، و تذهب للتبضع، وشراء كل ما ينقص المنزل، شراء مستلزمات الإفطار والعصير، وتمر علي أولاد خالتي وجدتي، شعرت أن الحياة تُكررنفسها حين سمعت نفسي في الساعة الـ٥ مساءًا عندما انتهيت من شراء كل ما ينقصني وانا اقول في سعادة "الحمد لله انجزت النهارده" جملة امي المُعتادة عندما تنهي كل ما تريد قبل ميعاد الإفطار.
لأتذكر بعدها نفسي وأنا أجلس على مائدة الإفطار مع صديقاتي وأتذكر أسرتي كلها حولي على الطاولة، نتشاجر على كاسات المياه، وأكواب الخروب والخشاف.
الآن أجلس صامته أمام طبقان فقط أعددتهم لنفسي بسرعة، لأني لم استطع إعداد طعام بعد العودة من الدراسة، بكيت يومها، أغمضت عيني قليلا لتظهر شبح ابتسامة مرت بين الدمع وأنا أتخيل أمي وعائلتي وطعام طاولتهم ينقصني.
أحن إلى أمي!