كان الطريق طويلًا، وثقيلًا على النفس، حين كنت أنا وشقيقتي في طريقنا لتوديع أبي وأمي إذ قررا السفر لأداء مناسك العمرة، لمدة أسبوعين، وهي أطول مدة ابتعدا فيها عن المنزل.
لا أعلم ماذا سنفعل في هذه الأيام، لكن كل ما أعرفه أني أصبحت من يدير المنزل في غيابهم، اتفقنا أنا وأختي أننا سنتحمل مسؤولية غيابهم بمفردنا ونخوض التجربة، فلا نريد أن نعتمد على أحد من العائلة.
بيت هادئ دون ضجيج، أنا وشقيقتي نأكل ونشرب بمفردنا، ليتهم كانوا هنا الآن ليتهم لم يتركونا، كنت متأثرًا طوال تلك الفترة التي كنت أعلم أنهم ذاهبون فيها.
حالة من التوتر أصابتني بسبب الخوف عليهم وإذا كانوا بخير أو أصابهم شيء، مدة طويلة وأنا في انتظار مكالمة منهم، لم أكن أعلم متى سيتصلون بي، وظل القلق معي حتى وصلوا إلى السعودية.. فماذا عن الأيام المتبقية؟
مقيد داخل المنزل، مجبر على التعامل مع دروس شقيقتي، وأركز في جميع تفاصيلها، من كتب ومواعيد دروس والذهاب والإياب، لأنني اخترت أن أتحمل المسؤولية، وتفاجأت كيف كان والدي ووالدتي يتحملان هذا الحجم من المسؤولية!
في الحقيقة لم أكن أتوقع هذا بحجمه الطبيعي، وأعتقد أن كثير ممن هم في دور الأبناء قد لا يدركوا كم التفاصيل التي يحتاج إلى تحملها الأهالي تجاه أبناؤهم، منهم من يتحملها بالفعل، ومنهم من يتخلى عنها، وهنا تظهر الاختلافات التي تواجهنا عند الكبر في اختلاف النشأة بيننا، ووقع تأثيرها علينا.
حاولت كسر الروتين الطبيعي لإجازة نصف العام، عبر الخروج للتمشية لكن المسؤولية كانت تمنعني، وتمر الأيام بين تحملي للمسؤولية وانتظاري عودة أبي وأمي على أحر من الجمر.
أشعر أحيانًا بالملل، أحاول أن أخرج مع أصدقائي واستمع للموسيقى، لكن تمكن الملل مني مرة أخرى، والآن أنا والقصائد الشعرية نحاول تمرير الوقت حتى يعودا.
ومن ناحية أخرى ماذا سأفعل غدًا، وأنا المسؤول عن الطعام في المنزل، حيرة أمي كل يوم معي ومع شقيقتي أصبحت أنا المحتار الآن ، ماذا سأفعل الآن؟
بكاء شقيقتي الصغيرة كل يوم وهي مفتقدة أمي وأبي، وشعورها بالقلق دومًا كان عبئًا إضافيًا، وتحتاج إليّ في كل شيء، كانت تجربة صعبة في الأيام الأولى، لم أتوقع ذلك ماذا سوف أفعل معها؟، أنا لم أفعل هذه الأشياء من قبل. أصابتني حالة من الاستياء.
والآن هم في موطن الروح، ساجدين إلى الله، وسط الأنوار الساطعة، وأنا وسط ظلام الغرفة، وهم ينتقلون من بيت الله الحرام، إلى الحجر الأسود وبئر زمزم والصفا والمروة، بالطبع لن ينسونا بدعائهم هناك، ونحن هنا ندعو بأن يعودوا لنا سالمين.