- هو أنا ليه مينفعش أخرج؟
- العالم برا مكان خطير جدًا، مليان شرور وأنانية.
كم مرة سمعتِ هذه الجملة عزيزتي القارئة؟ ربما سمعتيها مئات بل آلاف المرات.
كنا أطفالًا في عمر الثامنة نجلس أمام التلفاز ونسمعه في براءة تغمرنا، نتساءل في داخلنا، لماذا كانت والداتنا يَمْنَعْنَنا عن العالم، ولماذا أطلقن عليه وصف "خطير"؟
نتابع أحداث الفيلم الكرتوني المُفضَّل لنا "الأميرة المفقودة" بعيون أطفال تعشق الحياة وترى هذه الجملة صادمة وقاسية عليهم، وعلى بطلة الفيلم التي تمت لتوها عامها الـ ١٨، عام الشباب الذي ننتظره جميعًا.
لينتهي الفيلم الشهير وتنتهي طفولتنا ونستقبل شبابنا، لنُدرك أنها لم تكن مجرد جملة.
نعم عزيزتي لم تكن مجرد جملة، دعيني أصدمكِ وأزيح عنكِ ستار سذاجة الأطفال التي كانت تغمرنا جميعًا! هذه الجملة كانت الوصف الدقيق لعالمنا، لمستقبلنا المُعتم الذي لم نره ولم يمر على بالنا ولو بمحض الصدفة.
ضحكنا على هذه الجملة لسنوات والآن نضحك ألمًا على سذاجتنا.
بعد عشر سنوات من جملة "العالم خطير" التي كنا نضحك على قُبحها، رأينا الخطورة حولنا، رأينا فتيات يُغتصبن، يُقتلن، ويُذبحن بدماء باردة في منتصف الطريق لقولهن "لأ".
قُذفت منذ أشهر قنبلة موقوتة في مصر بحادثة ذبح فتاة المنصورة "نيرة أشرف"، اشتعل الرأي العام وثار الجميع حزنًا، ليصبح "محمد عادل" عِبرة لكل من تسول له نفسه، لكن هذا لم يكن كافيًا، وُلد محمد عادل آخر في الزقازيق باسم "إسلام"، استشهد "إسلام" بمحمد عادل وفعلته، فسار على خطاه وها هما يلتقيان معًا خلف القضبان.
قُتلت "سلمى بهجت" بيد باردة بعد تهديدات عديدة بملاقاة المصير الذي لاقته "نيرة"، قُتلت على يد زميلها غدرًا لرفضها هي وأسرتها طلب زواجه، قُتلت بعشرات الطعنات، بدماء باردة كما ذُبحت نيرة.
فيديوهات مُصورة للجريمة الأولى من كل الاتجاهات تملأ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، مئات من المتفرجين، مئات من الأشخاص، وصرخات "نيرة" في كل المكان، لتُعاد نفس التفاصيل، وصرخات "سلمى" تزداد واستغاثتها تدوي في الشارع، لكن هل هناك مُنقذ؟
أيام وأسابيع نحاول تناسي فيديوهات مَقتل نيرة، ليعكر أيامنا فيديو آخر لفتاة الزقازيق "سلمى بهجت"، يجعلكِ تكرهين ذلك العالم الذي وُلدتِ فيه وعليكِ تقبله.
"ما نسمع القصة مش يمكن هي السبب"
قرأتها وأنا عينايّ تملأهما دموع ألم ووجع على هاتين المسكينتين، وغضب من هؤلاء أشباه الإنسان، منعدمي العاطفة.
انتهينا من وجود تبريرات للمتحرش والمغتصب، وجاء زمن تبريرات القاتل، قُتلت عروستان في بداية شبابهما لرفضهما، قُتِلا في ميدان عام، ونحن نترك القضية وصعوبة تقبلها، ونبحث للقاتل عن تبريرات.
نتمسك بكل شيء ونترك حقيقة العالم المُخيف! نترك حقيقة عيشتنا في غابة أطلقنا فقط عليها مُسمّى "الدنيا".
تركنا كل شيء في قضية "نيرة"، ونبحث بعد موتها هل كانت لا ترتدي حجابًا أم محتشما، ونشير إليها بأصابع الاتهام.
لكن ماذا بعد مقتل "سلمى بهجت"؟
قد لاقت سلمى "المُحتشمة" "المُحجبة" ما لاقته "نيرة"، أمازلت مقتنعا أن ملابسها وحجابها هما السبب؟
نشارك فيديوهات قتلهما بدماء باردة، متناسين أسرتين تريان فقيدتيهما مُلقاتين تنزفان دماً، ومئات من الأشخاص ولم يجرؤ أحد على إنقاذهما.
أشاهد كل شيء من بعيد، أخاف تلك اللحظة التي ستجمعني بهذا المكان الذي وقعت فيه "نيرة" أو "سلمى"، أشاهد وأرى تعليقات أسرتيهما، وأصدقائهما، وجيرانهما.
أتابع تعليقات أشباه الرجال ومعدومي الإنسانية.
وتدور في ذهني مئات من الأسئلة.
أين نعيش؟! أين ينتهي بنا المطاف؟!