مول البالة الجديد.. قطع أرزاق أم نقلة حضارية؟

تصوير: مؤمن مسعد

كتب/ت مؤمن مسعد
2022-12-09 00:00:00
 
في بورسعيد، مكانان معروفان بتخصصهما في بيع الملابس المستعملة أو "البالة"؛ الأول يقع في شارع النصر بحي العرب، والثاني في منطقة التعاونيات بحي الزهور، يضم كلاهما عشرات المحال ويفد إليهما الآلاف سنويًا من مختلف المحافظات ممن يرغبون في شراء الملابس الأوروبية بأسعار منخفضة.
على مقربة منهما أرض فضاء، قرر اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد، أن تكون بديلًا لهذه الأسواق "العشوائية" التي يسعى إلى إزالتها منذ 2019، مستقرًا على تشييد مول تجاري، يضم عشرات المحال لاستقبال ليس فقط باعة "البالة"، بل مختلف الأنشطة التجارية الأخرى التي تهم الأسر البورسعيدية، فتكون مزارًا سياحيًا لهم.
إخلاء الأسواق ونقل بائعيها، أسعد سكان المناطق السكنية المحيطة، الذين طالما اشتكوا من إزعاج الأصوات الصادرة من المحال نتيجة حركة البيع والزحام في المنطقة، ولكن على الجانب الآخر، قضى الباعة عاما ونصف محاولين وقف القرار وإلغاء الانتقال بين تقديم الشكاوى ورفع القضايا، معترضين على ارتفاع قيمة الإيجار وأسعار الخدمات، قائلين إن كثير منهم لن يستطيع الصمود أمام هذا الانتقال الذي لم يراع اختلاف مستوياتهم الاقتصادية.
ومع الانتهاء من تشييد المول، وانتظار الإعلان عن موعد افتتاحه، بدأت المحافظة توجه كل من دخل في خطة التطوير لإخلاء المحال. في المقابل، يشكو الباعة، ويقولون إنهم لم يتم مناقشتهم حول مصيرهم، وإن المحافظة وضعت لهم خيارا وحيدا وهو استئجار محل داخل المول، فالمحافظ في تصريحاته شدد على أنه لن يسمح بأية أسواق لبيع الملابس المستعملة في بورسعيد سوى في المول. يتساءل الباعة: ماذا لو كان أحدهم غير قادر، أو لم يستطع تحمل تكاليف الإيجار المرتفعة الجديدة؟
لم يعد للشكاوى الآن جدوى. بدأ "مراد" بالفعل في تفريغ محتويات محله لتجارة الملابس المستعملة، دون أن يعرف حتى الآن مصيره.

التجار يتحدثون

يقول مراد، الذي يعتبر نفسه من صغار التجار، لـ" البورسعيدية": "في بداية الأمر عام 2019 طرح علينا المحافظ أن ننتقل إلى منطقة الإسراء، ولكنها كانت غير ملائمة لنا؛ فهي منطقة بعيدة وغير حيوية وأُنشئت لتجار الموبيليا المستعملة، وهم رفضوها مثلما فعلنا، وتمسكنا بالبقاء في موقعنا الحالي قبل أن يعود المحافظ ويقرر إنشاء مول جديد، ولكن الغريب في الأمر أننا".
ويضيف:” لم نشارك في تقرير مصيرنا، اكتفى المحافظ بالإجتماع مع كبار التجار وبعدها حدد مزادًا لإيجار محلات المول بسعر 500 جنيه للمتر بالمحال المتميزة، والأخرى 300 جنيه للمتر”.
استمر مراد في الرفض أيضًا هو ومجموعة كبيرة من التجار أصحاب المحال الصغيرة، لعدة أسباب منها السعر المحدد لإيجار متر المحل بالمول الجديد، وقال بانفعال شديد: "إزاي نقدر ندفع ثمن الإيجار المطلوب والكهرباء والمياه مع غلاء الأسعار وحالة الكساد في التجارة حاليًا، وإن تمكن البعض فسيكونون التجار الكبار الذين حجزوا الصفوف الأولى والمتميزة بالمول بالواسطة والمحسوبية، أنا حلمي تأمين مكسب يومي لتلبية مصاريف منزلي الأساسية وليس فتح سلسلة محلات بجانب كبار التجار"، قاصدًا مول البالة الجديد.
يقول عم رضا، صاحب مساحة صغيرة داخل السوق القديم: "لا نملك حرية الاختيار، وبالفعل المول الجديد سيكون وجهة حضارية في مدينة بورسعيد، ولكن لا أعلم إذا كنا سنستمر في تحمل المصاريف التي حددها المحافظ، فأنا لم أتسلم المحل الجديد حتى الآن وأنتظر التجربة”.
وأكمل: بنزل كل يوم شغلي أنا وأغلبية الناس اللي في السوق ومش عارف مصير الأيام الجاية هيكون عامل إزاي".

"منطقة نظيفة".. أحلام ساكني منطقة القنال الداخلي

يتمركز السوق القائم حاليًا وسط العمارات السكنية، وهي الأقدم في المنطقة، يشكو قاطنوها من الإزعاج والتلوث السمعي، والإشغالات في الطريق.
تشعر سارة، إحدى ساكنات المنطقة، بالفرح: "مثل أي شخص يسكن في هذه المنطقة منذ سنوات عديدة، كنا نسمع في فترات عديدة أن السوق سيتم إزالته" وتابعت "لحد ما تقريبًا فقدنا الأمل إن شيء يحدث، أنا وعائلتي مكناش مصدقين غير لما شوفنا بدء إجراءات الإزالة بالفعل، وبالتأكيد كان هناك بعض مشاعر التعاطف مع الأشخاص اللي رزقهم هيتقطع، ولكن رجعنا فكرنا في الأذى الذي كنا نتعرض له من نفس الناس دى على مدار الفترة اللي كنا ساكنين فيها جنبهم، وده بإجماع كل سكان البرج بتاعنا على الأقل".
وأضافت: تحملنا العديد من المشكلات مثل المظهر العشوائي والإشغالات على مدار السنة كلها، والصوت العالي وأصوات الأغاني التي نشعر أنها داخل منازلنا، فعلى سبيل المثال يوم الجمعة صباحًا هو يوم الراحة والعطلة من العمل والدراسة، ولكن تحديدًا هذا اليوم كان أكثر أيام الأسبوع إزاعاجًا بسبب كم السماعات داخل كل محل، والمكبر الصوتي الذي يستخدمه البائع لينادي على بضاعته.
وتحكي سارة أيضًا عن موقف بين السكان والبائعين، قائلة: في إحدى المرات، لم يتحمل أحد السكان شدة الإزعاج قرر أن يصور هذه الأفعال بهاتفه وعندما شاهدوه البائعون بدؤوا في تهديده وتوجيه الشتيمة له ولجميع أهالي المنطقة، مما سبب لهم حالة من الذعر لأيام عديدة.
وتقول رنا، إحدى ساكنات المنطقة، "الشارع اللي بين المول وبين السوق ضيق جدًا، بالرغم إنه طريق رايح جاي للعربيات على الجانبيين، لذا نرجو أن يتم العمل على تخصيص أماكن انتظار مخصصة لعربات زائري المول"

آراء المسؤولين عن إنشاء المول الجديد

ومن جانبه صرح أحمد رسلان، المهندس التنفيذي المسؤول عن إنشاء المول، لـ”البورسعيدية: "أقيم المول على مساحة 9225 مترا، بجوار بازار بورسعيد الجديد وسوق الأسماك، في منطقة القنال الداخلي بحي العرب، والتي كانت تعد من المناطق العشوائية بالمدينة، على أحدث مستوى عالمي وسيتم إدارته على نفس المستوى، ليضم 218 محلا لتجار الملابس المستعملة، و108 محلات استثمارية متعددة الأغراض، وسوف يتسلم جميع التجار المحال ليضعوا البضاعة فقط دون أي جهد منهم في أعمال التشطيب، وتتولى الإشراف على المول شركة متخصصة في أعمال الإدارة والأمن والنظافة، من خلال منظومة إلكترونية متكاملة، كما سيتم متابعة وإرشاد البائعين داخل المول للحفاظ على المرافق والشكل العام للمول".
أضاف: "قد حرصنا على تنفيذ تعليمات محافظ بورسعيد في التوازن ما بين تميز المول بشكل معماري رائع وأن يكون عملي للزائرين، فنحن نعمل جاهدين من أجل خدمة الزائرين وتوفير الراحة لهم، حيث أن المول يحتوي على 10 مصاعد و4 سلم كهربائي لخدمة المترددين لسهولة التنقل بين الدور الأول والأرضي بالمول".