مع اقتراب آذان الفجر وفي ظلمة الليل، تجمع عصام، 13 عامًا، من مركز سمالوط بمحافظة المنيا، مع أصدقائه أسفل منزل أحدهم لإشعال بعض الألعاب النارية. وقف الجميع في دائرة بينما أمسك آخر بقطعة من الألعاب النارية وأشعلها، لتنطلق منها شرارة قوية امتدت لمسافة واسعة.
هرع الأطفال مبتعدين بسرعة، لكن عصام لم يتمكن من الفرار في الوقت المناسب، كانت الشرارة أسرع منه، لذا أصيب بحروق من الدرجة الثانية في وجهه. تحول الضحك إلى صراخ، وارتفعت أنات الألم من عصام، بينما هرع أصدقاؤه مذعورين.
احتفالات بمدفع الكربون
يقول والده لـ"المنياوية": "اعتاد ابني إشعال الألعاب النارية مع أصدقائه خلال رمضان والأعياد، لكنه أصيب في مطلع رمضان الحالي بحروق لا تزال آثارها واضحة على وجهه، نتيجة تصنيع وإشعال مدفع الكربون".
يُصنع أطفال في المنيا خلال رمضان مدفع الكربون منزليًا بمواد خطرة، من أجل إشعاله عقب الإفطار كجزء من احتفالاتهم، دون إدراك حجم المخاطر التي قد يتعرضون لها.
تتكون هذه المدافع من أنابيب الصرف الصحي وعلب البيرسول الفارغة، يُضاف إليها الكربون وأحيانًا تُضاف مواد أخرى قابلة للاشتعال، مما يؤدي إلى انفجارات غير متوقعة قد تسبب إصابات خطيرة.
ويحذر أطباء من خطورة مدفع الكربون، حيث يؤدي إلى حروق شديدة، والتهابات جلدية، وإصابة العين أو التسبب في حوادث مؤلمة للأطفال كما حدث مع عصام.
يحكي والده أن وجه ابنه كان قريب من فوهة المدفع قبل إشعاله لذا انطلقت شرارة منه ولم يتمكن عصام من الجري بالسرعة المطلوبة لتفاديها: "قررت منعه من هذه الألعاب النارية ولكن بعد فوات الأوان".
خطورة مدفع الكربون
يحذر الدكتور مجدي صليب، مدير المركز القومي لدراسات السلامة والصحة المهنية سابقًا، من استخدام الأطفال لمدفع الكربون، بسبب احتوائه على مواد قابلة للاشتعال بسرعة، مثل الكربون.
يؤكد لـ"المنياوية" أن تلك المواد تشكل خطرًا جسيمًا على حياتهم لأنها غير آمنة ويجب تقييد بيعها لمن هم دون 18 عامًا، مضيفًا: "الكربون له استخدامات في الأبحاث العلمية، لكنه في أيدي الأطفال خطر يهدد سلامتهم".
الكربون مادة ذات طبيعة مسامية، عند تعرضه لدرجات حرارة مرتفعة في وجود الأكسجين يصبح قابلًا للاحتراق، ويجلبه الأطفال في المنيا من حبات الحصى الموجود أسفل قضبان السكة الحديد.
تشرح الدكتورة فكيهة هيكل، أستاذة الكيمياء الفيزيائية بكلية العلوم جامعة القاهرة، أن مدفع الكربون يعمل نتيجة تفاعل مكوناته، والتي تشمل الكبريتات والفحم والنترات، مع حبات الحصى ومادة الاشتعال وأكسجين الهواء، مما يؤدي إلى انطلاق صوت قوي وشرارة نارية.
وتشير لـ"المنياوية" إلى أن هذا التفاعل يشكل خطرًا كبيرًا، خاصة إذا كان بيد الأطفال، إذ يمكن أن يؤدي إلى حوادث كارثية، مثل اندلاع الحرائق في المنازل أو إشعال السيارات في الشوارع، ما يجعله مصدر تهديد حقيقي للأمن والسلامة العامة بإصابة الأطفال أيضًا.
علاء: "أخي أصيب في أذنه"
ذلك ما حدث مع محمد علاء، 23 عامًا من مركز بني مزار بالمنيا، إذ لم يكن عصام هو الضحية الوحيدة لمدفع الكربون. يروي علاء ما حدث مع شقيقه الأصغر أحمد، 11 عامًا، بسبب هذه اللعبة الخطرة.
يقول محمد لـ"المنياوية": "كان شقيقي يلعب مع أصدقائه بالألعاب النارية في الشارع كعادته، لكنه يعاني منذ صغره من تمزق في طبلة الأذن، مما يجعله أكثر حساسية تجاه الأصوات العالية".
مع تكرار تعرض أحمد للضوضاء الناتجة من مدفع الكربون، الذي يصدر صوتًا شديد القوة عند الاشتعال، تدهورت حالته السمعية بشكل خطير خلال شهر رمضان
يحكي: "في إحدى المرات، كان أحمد منهمكًا في اللعب معهم، وعند إطلاق المدفع انبعث صوت قوي أدى إلى نزيف من أذنه". نُقل أحمد للمستشفى وحذر الأطباء هناك من تعرضه المستمر لهذه الأصوات قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، مثل فقدان السمع بالكامل، أو تركيب سماعة طبية لمساعدته على السمع.
يشرح طاهر عبد الله، 16 عامًا، من مركز ملوي بمحافظة المنيا، آلية عمل مدفع الكربون: "نضع كمية من الكربون في المدفع وحبات الحصى، وعند إشعال النار في الجزء الخلفي الذي يحتوي على الكربون، ينطلق صوت مرتفع وشرارة نارية وغازات".
إصابات خطيرة
يكشف الدكتور مصطفى شوقي، أستاذ الأمراض الصدرية، عن خطورة أخرى لـ"مدفع الكربون"، وهي الغازات الناتجة عن أبخرة وإفرازات المدفع وتأثيرها على الجهاز التنفسي.
يوضح لـ"المنياوية" أن هذه الأبخرة تؤدي إلى تهيج الشعب الهوائية، مما يزيد من احتمالية الإصابة بحساسية الصدر، خاصة لدى مرضى الربو، وقد تتفاقم هذه الحالة وتسبب ضيقًا حادًا في الشعب الهوائية وصعوبة شديدة في التنفس.
لذلك كان لخبرة طاهر مع تصنيع مدفع الكربون عواقب ضخمة، حيث تعرض لحادث يرويه قائلًا: "في رمضان الماضي وأثناء إشعال المدفع سقط من يدي وتسبب في جروح وحروق في قدمي، لذا من يومها توقفت عن استخدامه ولا أنصح أحد بتجربته".
وتشدد الدكتور فكيهة أستاذ الكيمياء، على ضرورة أن يكون هناك منع قوي من الأهالي، لأن هذا الأمر لا يعتبر لعب للأطفال، بل هو تدمير قد يؤدي إلى إيذاء أنفسهم أو من حولهم.
بينما يؤكد الدكتور مصطفى، أن استمرار التعرض لهذه الأبخرة يؤدي إلى فشل في الجهاز التنفسي، مضيفًا: "الأطفال هم الفئة الأكثر تأثرًا بهذه المخاطر، بسبب حساسية الشعب الهوائية لديهم مقارنة بالبالغين، مما يجعلهم أكثر عرضة لمضاعفات خطيرة عند استنشاق هذه المواد الضارة".
منذ الحادث الذي تعرض له عصام أصبح يهاب الألعاب النارية، بينما يعيش أحمد مهددًا بتركيب سماعة أذن بسبب المضاعفات التي أحدثها مدفع الكربون، أما طاهر فلم يعد يشارك في مثل تلك الألعاب. ورغم أن الألعاب النارية ومدافع الكربون قد تبدو ممتعة للأطفال، إلا أن تجارب الثلاثة تمثل تحذيرًا واضحًا على خطورتها.