حياة على حافة الخطر.. سيارات ربع النقل بالمنيا تهدد الأرواح وتواجه تحديات الإحلال

تصوير: عبدالرحمن خليفة - أحد الركاب يتشبث بسيارة نقل يكتظ صندوقها بالركاب داخل موقف أبو قرقاص

كتب/ت عبدالرحمن خليفة
2025-01-18 12:18:39

كانت سيارة ربع النقل تسير بسرعة فائقة على الطريق الرابط بين قرية الأشمونين ومركز ملوي في محافظة المنيا، تكدس الركاب داخلها دون حواجز آمنة، بينما محمد عزام، 38 عامًا، لم يجد مكانًا له فاضطر إلى الركوب فوق سقف السيارة، يقول: "أثناء السير لم يخفف السائق من سرعته لذلك سقطت منها وكسرت قدمي ويدي وأصبت بالعديد من السحجات والجروح".

كاد محمد أن يفقد حياته بحسب حديثه لـ"المنياوية"؛ لأنه لا يجد بديلًا عن سيارات ربع النقل على هذا الطريق، التي تكون متكدسة بالركاب، فيضطر البعض منهم أن يتعلق بها أو يركب فوق السقف: "نسميها سيارات الموت ورغم ذلك نركبها لعدم وجود بدائل".

تلك الرحلة الخطرة يخوضها سكان مركز ملوي الذي يعتمد على السيارات ربع النقل في التنقل بين القرى والمراكز المختلفة رغم المخاطر الكبيرة التي يواجهونها، ولكن في ظل غياب وسائل النقل الآمنة وارتفاع تكاليف الوسائل الأخرى، أصبحت تلك السيارات هي الخيار الوحيد للمئات من المواطنين، ما يجعلهم عرضة للحوادث والإصابات.

يأتي ذلك وسط شروط وُصفت بالمجحفة وضعتها المحافظة أمام السائقين لإحلال سيارات ربع النقل بالميكروباصات، لكن لم تلق هذه الشروط قبولًا كبيرًا، حيث يجد السائقون صعوبة في تحمل تكاليف شراء سيارات ميكروباص جديدة، مما يزيد من تعقيد الوضع ومعاناة المواطنين الذين لا يجدون بديلاً آمنًا.

ربع النقل تحصد الأرواح

يقول عزام: "السيارة تأخذ أكثر من 25 راكبًا، وحصدت أرواح الكثيرين في حوادث متفرقة على مدار عشر سنوات ماضية، لأنها تخدم قرابة 600 قرية في المنيا، وهي في الأساس سيارات مخصصة لنقل الحيوانات لأنها تكون مكشوفة وبلا حواجز حماية".

آخر الحوادث التي يتحدث عنها عزام كانت في أغسطس الماضي، حين لقيت ربة منزل مصرعها وأصيب 22 شخصًا بينهم 20 سيدة بجروح وكسور متفرقة؛ نتيجة انقلاب سيارة ربع نقل أجرة في مركز سمالوط، ومن قبلها وقع حادث آخر أسفر عن وفاة وإصابة 14 عاملًا من المزارع إثر انقلاب سيارة ربع نقل على الطريق الصحراوي الغربي.

وفقًا لإحصائية أصدرتها محافظة المنيا يوم 7 يناير الماضي، تسببت سيارات ربع النقل في إصابة 650 مواطنًا من سكان المحافظة خلال العام الماضي، بين إصابات أولية وحالات وفاة وعاهات مستديمة، كما أشار الإحصاء إلى أن المحافظة صادرت أكثر من 100 سيارة ربع نقل بسبب مخالفة أصحابها للقانون وتحميل الركاب داخل مدينة المنيا، ومنعت استخدام هذا النوع من السيارات في نقل المواطنين.

لم تكتمل فرحة عزام بقرارات محافظ المنيا عماد كدواني وقتها لأنها لم تنفذ إلى الآن، إذ أعلن عن حزمة إجراءات سريعة لحل أزمة السيارات ربع النقل غير الآمنة، من خلال فتح باب الترخيص لسيارات الأجرة داخل قرى مغاغة لعدد 100 سيارة بواقع (40 بمجلس قروى برطباط – 35 شم البحرية ـ 10 ميانة ـ 15 طنبدي).

وكان آخر تلك التطورات توجيه المحافظ بضرورة تفعيل قانون المرور رقم 66 لسنة 1973، الذي يحظر عمل سيارات ربع النقل (بيك أب) في نقل المواطنين، وأعطى سائقي سيارات ربع النقل مهلة زمنية تبلغ 90 يومًا لاستبدال سياراتهم بسيارات "ميكروباص".

تحديات أمام السائقين

أمام قرار المحافظة يجد السائقون أنفسهم أمام صعوبات كبيرة تؤثر على عملية الإحلال من سيارات ربع النقل إلى الميكروباصات بسبب سعرها المبالغ فيه. 

يقول حسن عادل، 45 عامًا، أحد سائقي سيارات ربع النقل من مركز أبو قرقاص: "كيف يُطلب منا فجأة شراء سيارة ميكروباص سعرها يقترب من المليون جنيه، ويُقال لنا إنه يمكننا تقسيطها على سبع سنوات؟ هل أنا ضامن أنني سأعيش حتى الغد؟ وإذا بعت سيارتي ربع النقل ودفعته مقدمًا، فلن تُباع بأكثر من 200 ألف جنيه، مما يعني أنني سأظل مدينًا بمبلغ 450 ألف جنيه".

يضيف لـ"المنياوية": "وإذا كان عليَّ دفع قسط شهري قدره 5000 جنيه، فهل سيكفي ربحي من العمل كسائق دفع القسط وتلبية احتياجات أسرتي المكونة من خمسة أفراد؟ بالطبع لا، القرار يحمي المواطن لكنه لا يوفر آلية منطقية تتناسب مع الظروف الاقتصادية للسائقين، مما سيدفعنا للخروج من الموقف وتركه بلا سيارات".

شروط الإحلال "غير منطقية"

يتسق ذلك مع شروط الإحلال التي وضعتها المحافظة للسائقين،إذ يبين أحمد جمال، مسؤول المواقف بمركز ملوي في محافظة المنيا، أن سعر السيارة الميكروباص يتراوح من 700 ألف إلى مليون جنيه، لكن المحافظة تتيح للسائقين التقسيط على سبع سنوات، من خلال بروتوكول التعاون بين المحافظة وبنك التنمية والائتمان الزراعي، وتقديم الأوراق الرسمية كافة، ورغم ذلك يظل القسط مرتفعًا بين 5 إلى 7 آلاف شهريًا.

ويوضح لـ"المنياوية" أن المحافظة وإدارة المرور تزيد من الرقابة على المواقف، وتعمل على توعية السائقين بضرورة إحلال سيارات ربع النقل بسيارات ميكروباص لحماية للمواطنين.

 

عدم استجابة السائقين

أدت الشروط الصعبة التي فرضتها المحافظة لاستبدال سيارات ربع النقل بالميكروباصات، إلى ضعف إقبال السائقين على تلك العملية، حيث أبدى العديد منهم ترددًا كبيرًا في الاستجابة للقرار، بحسب مصدر مسؤول في محافظة المنيا تحفظ على ذكر اسمه.

يقول المصدر لـ"المنياوية": "الإقبال على شراء سيارات الميكروباص الأجرة (14 راكبًا) ضعيف، لأن السائقون متضررون من القرار الذي يمثل عبء مالي إضافي عليهم، إذ يتراوح سعر السيارة الميكروباص بين 650 ألف إلى مليون جنيه، والقسط يبدأ من 7 آلاف جنيه".

يضيف: "دخل السائق لا يمكن أن يغطي هذا القسط في تلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لذلك فأن القرار لم يطبق حتى الآن، كما أن قانون المرور الذي يحظر استخدام سيارات ربع النقل في نقل الركاب طُبق في مدينة المنيا منذ عام 2022، إلا أن مراكز المحافظة لم تطبق هذا القانون بعد".

مخاطر عدم التطبيق

يحذر الدكتور أحمد صالح، أستاذ التخطيط العمراني، من عدم تطبيق قرار المحافظة بشأن الإحلال، بسبب خطورته على المواطنين، وفي نفس الوقت يؤكد على أهمية مراعاة ألا يحمل القرار السائقين أعباء مالية إضافية: "لا بد من وصول المحافظة إلى آلية تشجع السائقين على الإحلال".

ويكشف صالح لـ"المنياوية" وجهًا آخر للأزمة: "السماح لسيارات ربع النقل بنقل الأشخاص كان خطأ من البداية، فالمسؤولية هنا تقع على الجهة التي منحت التراخيص لهذه السيارات وليس على أصحابها، ما أدى إلى وقوع العديد من الحوادث، والآن يدفع السائقين ضريبة فساد منح التراخيص لتلك السيارات بالعمل، وتطلب من السائقين تحمل الأقساط المرتفعة للميكروباصات ثمن الإحلال".

ضعف الدخل ومخاطر الركوب

لا يكفي دخل محمود سيد 48 عامًا، سائق في مركز ملوي، دفع القسط الذي حددته المحافظة لشراء سيارة ميكروباص، إذ يبلغ دخله الشهري 5 آلاف جنيهًا: "أنا في الأساس أعمل مدرسًا، وكان عملي على سيارة ربع نقل لتحسين دخلي، مع صدور هذا القرار، لا استطيع تحمل الأقساط بنكية التي تفوق راتبي".

أمام تمسك محمود بسيارته ربع النقل التي تدر عليه ربح إضافي، يخوض كريم صلاح، 25 عامًا، من قرية بني حسن، نفس الرحلة الخطرة التي يخوضها محمد عزام يوميًا في ركوب سيارات ربع النقل: "نتكدس كلنا في السيارة وتمتلأ إلى آخرها، ورأيت بعض الركاب يسقطون منها ويصابون، فلا يوجد أمامنا بديل غيرها للتنقل".

بين التحديات التي تواجه محمود والمخاطر التي يخوضها كريم، تظل سيارات ربع النقل في المنيا مصدرًا رئيسيًا للمخاطر، حيث يواجه سكان المنطقة تحديات كبيرة في ظل غياب البدائل الآمنة، ورغم محاولات المحافظة لتحسين الوضع عبر إجراءات الإحلال، إلا أن العملية ما تزال تفتقر إلى حلول اقتصادية عملية تناسب ظروف السائقين.

تصوير: عبدالرحمن خليفة - ركاب يستخدمون سيارات نقل داخل موقف أبو قرقاص