من داخل مسقط رأس عدوية.. القرية التي لفظته صغيرًا وحزنت على رحيله

تصوير: أرشيفية - عدوية

كتب/ت عبدالرحمن خليفة
2025-01-02 12:52:02

في قرية الروضة بمحافظة المنيا، كانت مشاعر الحزن تخيم على الجميع، رغم مرور عدة أيام على رحيل سلطان الطرب الشعبي أحمد عدوية، هذه هي القرية التي شهدت ميلاده ونشأته، وانطلاقته نحو عالم الغناء الشعبي، وهي الانطلاقة التي لاقت في البداية معارضة شديدة من أهل القرية، دفعته للرحيل وعدم العودة إلا بعد أن حقق شهرة واسعة جعلت الجميع يتفاخرون بكونه أحد أبنائها.

خلال تجولنا في القرية التي شهدت طفولة عدوية و عاش فيها 14 عامًا قبل أن يرحل بحثًا عن حلمه في العاصمة، شعرنا بأن الذكريات لا تزال حاضرة في كل زاوية، إذ كانت بدايته صعبة وبعيدة عن الفن بعدما عمل في مجال المعمار، وفق روايات أهل القرية.

تحدثنا مع عدد منهم ومن أفراد عائلته، كان الجميع في حالة حزن شديدة على فراقه، مؤكدين لنا أن عدوية لن يُنسى أبدًا، بل سيظل اسمه في قلوبهم ومسامعهم، خاصة بعد أن أصبح رمزًا من رموز الطرب الشعبي ويشعرون بالفخر من كونه أحد أبناء القرية.

توفي أحمد عدوية مساء الأحد الماضي عن عمر ناهز 79 عامًا، ولكن سيرته ستظل خالدة في قلوب محبيه وأهالي قريته.

عدوية البشوش

منهم محمد ممدوح، 65 عامًا، الذي لم يكن من أهالي القرية فقط ولكنه قريب عدوية من أمه، يقول: "كان يهتم عدوية بصلة الرحم مع أهل قريته وذويه، ويزورنا من فترة إلى أخرى، فهو طيب القلب وتشعر وأنت تتحدث معه بأنك تعرفه منذ سنوات".

التقى ممدوح بالفنان أحمد عدوية عندما كان في المرحلة الثانوية، يتذكر أنه كان بشوشًا طوال الوقت ولا يعير الحياة انتباهًا: "في مرة مازحني بأني أطلع دكتور رغم إني أدبي فكان يقولي لي ضاحكًا دكتور في الجامعة عشان تشرفنا".

هكذا كان عدوية بشوشًا طوال الوقت، يشبه زوجته ونيسة عاطف إذ جمعتهما قصة حب، وكانت تستقبل هي أهل القرية بالمودة دائمًا، وتحرص على إقامة علاقة طيبة مع عائلته، مؤكدًا أن أهل القرية شعروا بحزن عميق عند سماعهم خبر وفاة أحمد عدوية، فقد كانت شخصيته وأغانيه جزءًا لا يتجزأ من حياتهم.

يؤكد ممدوح أنهم شاركوا في العزاء، فالعديد من أفراد العائلة سافر للقاهرة لتشييع الجثمان، وما تبقى في القرية شاركوا في سرداق عزاء له ،وعادوا في موكب حافل يعكس مدى المحبة والتقدير الذي كان يحظى به في مسقط رأسه.

معاناة عدوية في القرية

ينتمي الراحل أحمد عدوية إلى عائلة "أولاد مرسي عون"، التي كانت ترفض غناءه في البداية نظرًا للصورة الاجتماعية السائدة، ورغم معارضة أهله الشديدة، لم يثنه ذلك عن متابعة حلمه في الفن، فكان ينضم إلى الموالد والأفراح الشعبية، مدفوعًا بحبه العميق للموسيقى والطرب.

لكنه تعرض للتنمر في بداية دخوله عالم الفن، مثلما يحكي عبدالقادر، أحد أهالي القرية، فحينما يغني بالأفراح كان بعض الحضور ينادون من أسفل المسرح "سمك"، في إشارة إلى عمل والده بمهنة صيد السمك، ورغم هذه المعاناة لم يثنه ذلك عن مواصلة حلمه.

ومع مرور الوقت، اشتد الصراع بين رغبته في تقديم الغناء الشعبي وموقف أهل قريته الرافض له، فكان الخيار الوحيد أمامه هو السفر إلى القاهرة بحثًا عن فرصة لتحقيق حلمه في عالم الفن، وذلك قبل 60 عامًا.

من المعارضة للحب

يقص محمود، 40 عامًا، أحد أهالي القرية، تفاصيل ما حدث في بدايات عدوية، موضحًا أن الراحل كان يصرح في لقاءاته التلفزيونية بأنه ينتمي إلى محافظة المنيا، ولكنه لم يكن يذكر اسم قريته الروضة؛ بسبب ما واجهه في بدايته داخل القرية.

ففي تلك الفترة، كان من الصعب على المجتمع تقبل فكرة أن شخصًا من الصعيد يدخل عالم الفن وتحديدًا الشعبي، وفق محمود الذي أكد أن أسرة عدوية تعرضت لانتقادات شديدة، مثل "ابنكم بيغني وجايبلكم العار"، وغيرها من التعليقات التي كانت تحمل في طياتها رفضًا اجتماعيًا للفكرة.

لكن مع نجاحه حول عدوية تلك المعارضة لحب شديد من قبل أهالي القرية، وتعلق الكثيرون بأغانيه التي باتت تصدح في أرجاء الروضة.

أهالي القرية: "جعلنا نفخر به"

ارتبطت أغاني أحمد عدوية ارتباطًا وثيقًا بقريته، حيث كانت تعبيرًا صادقًا عن الحياة اليومية والهموم التي يعيشونها، ذلك ما لمسه أحمد عبدالقادر 40 عامًا، أحد أهالي القرية: "مكنش بيجي البلد عشان مشغولياته لكن كنا طول الوقت نسمع أغانيه ونحسه قريب مننا وموجود معانا".

يعتبر عدوية هو المطرب المفضل لـ"عبدالقادر" وفق حديثه لـ"المنياوية"، إذ يشعر بالفخر بأن الروضة أنتجت فنان محبوب مثله: "نعتبره صوت الفن الشعبي في مصر، ووقع خبر فقدانه كالصدمة علينا جميعًا، فالقرية التي لفظته وهو صغير حزنت بالكامل على رحيله".

تصوير: أرشيفية - قرية الروضة