"وبحب الناس الرايقة اللي بتضحك على طول" هكذا ارتبط رضا محمد، صيدلي في منطقة دار السلام، بصوت نجم الأغنية الشعبية أحمد عدوية، الذي رحل عن عالمنا مساء أمس الأحد، إذ نشأت بينهم علاقة وطيدة بحكم مرافقته لزوجته ونيسة عاطف في رحلة علاجها من السكر، قبل أن تتوفى خلال مايو الماضي.
يعمل رضا في صيدلية تجاور منزل الراحل "عدوية"، لذلك يتذكر قصة حبهما، فكان على مدار 13 عامًا يذهب إلى المنزل لإعطاء زوجته الحقن والأدوية اللازمة: “كان عدوية بشوش الوجه، يجبر بخاطري دومًا ويحب زوجته بشدة، وكنت أشعر بالدفء في منزلهم، وأفضفض بالساعات معه دون ملل".
فقدنا واحد مننا
تلقى رضا خبر وفاة أحمد عدوية عبر رسالة من أحد أصدقائه في منتصف الليل: "البقاء لله يا رضا، حبيبك مات". شعر رضا بالصدمة ودخل في نوبة بكاء وفق حديثه لـ"صوت السلام": “السكوت حل بالعمارة منذ إعلان خبر وفاة عم أحمد بعد 7 شهور من وفاة زوجته كأنه أراد اللحاق بها".
بمجرد أن تطأ قدمك شارع عدوية في دار السلام تعرف أن هناك حبيب مفقود، إذ خيم الحزن على الجيران المصدومين من الخبر ولا يتوقف الكثير منهم عن البكاء، ومشاعر الحزن والوجع تبدو واضحة على الوجوه، فتجد النساء يجلسن في صمت، بينما يردد الرجال كلمات معبرة عن الألم لفقدان "عم أحمد"، الرجل الذي كان أحد أعمدة الحي، وتحول الشارع من الصخب والضحك إلى السكون والحزن لهذا الحادث الجلل.
حال رضا يشبه الكثير من سكان وجيران الراحل أحمد عدوية، الذين تحدثت معهم "صوت السلام" بجوار منزله الذي اتشح بالسواد حزنًا على فقدان عدوية المحبوب من الجميع، الذي ترك بصمة فنية وإنسانية عميقة في قلوب كل من عرفه.
كل صباح، ينتظر أحمد عابد، حارس عقار الراحل أحمد عدوية، مكالمته لشراء الإفطار، إلا أن صباح اليوم كان مختلفًا بعد رحيله فلم يتلق تلك المكالمة المعتادة: “قضيت طفولتي مع الراحل كنّا نلعب في المنطقة معًا، وتعلمت منه حب الجميع والود والضحك".
يقول عابد: “كان يتعامل مع الجميع باللطف واللين، وعلاقته حميمة مع كل الجيران، فكلما كان يمر علينا يلقي التحية والسلام ويتبادل الضحكات مع الجميع". يضيف عابد باكيًا: "أنا بعيط من إمبارح حاسس أن أبويا هو اللي مات، كنت بحب له أغنية راحوا الحبايب ودلوقتي فعلًا راحوا الحبايب هو وزوجته".
قصة حب عدوية وونيسة
قصة حب قوية جمعت ونيسة وعدوية يشهد عليها أهالي المنطقة، البعض يرجع وفاته إلى عدم قدرته على تحمل غيابها، منهم محمد زين، أحد أهالي المنطقة وصاحب محل سيارات ملاصق لعقار عدوية.
يقول زين: “تزوجها عدوية وهي في الرابعة عشر من عمرها، ورافقها خلال رحلة علاجها الطويلة، ووقفت هي بجانبه أثناء وعكته الصحية، وتأثرت نفسيته بشدة بعد وفاتها وظل في تلك الحال النفسية السيئة حتى لحق بها أمس".
يضيف زين بدموع لم يستطع أن يغلبها: "أنا في صدمة إلى الآن ولا أصدق أنه توفى، فكان معروفًا بسيرته الطيبة وقلبه النقي، لمست ذلك في سهرتنا الأسبوعية أمام المحل حتى الفجر أنا وهو ومجموعة من الجيران كنا نشعر بأنه واحد مننا، يأكل ويتسامر معنا يوميًا".
يكمل زين: "كان نعمة الأخ الأكبر علاقتنا امتدت لأكثر من 20 سنة وهو سندي وضهري، من وقت ما فتحت المحل، نفطر ونتعشى سوا ويعزم الناس اللي ماشية في الشارع تأكل معانا كان متواضع، كنت بفضفض معاه وبرتاح في الكلام معاه".
زحمة يا دنيا زحمة
نفس حالة الحزن شملت محمد عبده، سائق توك توك في ميدان أحمد عدوية الذي سُمّي باسمه منذ سنوات، إذ كان يجد يوميًا "عم أحمد" كما يطلقون عليه يجلس أسفل عمارته يحتسي كوب الشاي الصباحي ويتسامر مع الجيران.
يقول محمد: “كان متواضعًا، ويجلس ويغني لنا أغنية زحمة يا دنيا زحمة، فهي أكثر الأغاني التي ربطت أهالي الحي بفنان الأغنية الشعبية، فكان يعبر بها عن زحمة شوارع دار السلام، فكان يشبهنا في الفرح والحزن”.
يتوسط عقار عدوية صورة له تحمل ابتسامته الطيبة، وضعها الأهالي تكريمًا وتعبيرًا عن الحب الذي يكّنه الجميع للراحل، وكل من يمر من أمامها يشعر بحجم الفقد، بينما يعم الصمت في الشارع، تظل الصورة تجذب الأنظار وتذكر الجميع بمواقفه الإنسانية وأعماله التي جعلت منه جزءًا لا يتجزأ من هذا الحي.