تعد اللغة العربية من أكثر اللغات تعقيدًا من حيث النحو والصرف والكتابة، رغم أنها تشكل مجالًا خصبًا للإبداع والابتكار، ويظهر ذلك جليًا في العصر الرقمي الحالي، ودخول الذكاء الاصطناعي في كل المجالات. فماذا يحدث عندما يتلاقى هذا التقدم التكنولوجي مع لغة غنية ومعقدة مثل اللغة العربية؟.
في هذا التقرير، وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، نلقي الضوء على كيفية استفادتها من الذكاء الاصطناعي وتقنياته المتطورة عبر تجارب حيّة لطلاب كليات دار العلوم، ومدرسين لغة عربية أجابوا على تساؤل هل يمثل الذكاء الاصطناعي خطرًا على الأصالة اللغوية، أم يسهم في تعزيز مكانتها في العصر الرقمي؟.
الذكاء الاصطناعي ليس بديلًا للبشر
يرى خالد عبدالعظيم، مدرس لغة عربية بمدرسة العدوة الثانوية المشتركة بمحافظة المنيا، أن الذكاء الاصطناعي يعتبر مساعد للعقل البشري وليس بديلًا عنه، كذلك الأمر في اللغة العربية، فيمكن للطالب الاستعانة به في فهم المعاني الصعبة للغة أو شرح النصوص وليس أداء المهام.
ويوضح لـ"المنياوية": "عندما يكتب الطالب نصًا أدبيًا، يمكنه الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لاختيار بعض المفردات الأنسب التي تضفي قوة لغوية على النص، لكن إذا استسهل الطالب واعتمد على هذه التقنيات في صياغة النص بالكامل، فإن ذلك يؤثر سلبًا عليه ولن يتعلم شيئًا".
يقوم بذلك بعض طلاب الثانوية العامة بالمدارس الحكومية بالمحافظة وفقًا لـ"عبدالعظيم"، موضحًا أن الأمر بدأ منذ تسليم الوزارة التابلت لهم: "كما توجد شاشات عرض داخل الفصول، يستعين بها الطلاب، ونقدم لهم نصوص مصنوعة بالذكاء الاصطناعي كي يتعلموا منها المفردات وأساليب الصياغة".
كيف ساعد الذكاء الاصطناعي طالبًا في تعلم اللغة العربية؟
ذلك ما يفعله، حمزة جميل، طالب بالفرقة الرابعة في كلية دار العلوم بجامعة المنيا، الذي لم تكن علاقته باللغة العربية جيدة قبل التحاقه بالكلية التي انضم إليها مجبرًا بسبب مجموعه في الثانوية العامة، يقول: "كانت الدراسة بالنسبة ليّ صعبة للغاية في البداية، وكنت أحتاج إلى دورات تدريبية في معظم المواد التي أدرسها حتى استطيع فهمها بسبب تعقيد اللغة العربية".
في العام الماضي، بدأت علاقة حمزة باللغة تتحسن بعد أن اعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي، واستعان بها في الدراسة: "أحتاج دومًا إلى فهم قواعد اللغة والمرادفات وتحليل النصوص، وكان الأمر صعبًا حتى بدأت في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لشرح مفاهيم ومعاني اللغة العربية".
يرى جميل أن الذكاء الاصطناعي لا يشكل خطرًا على اللغة إذا تم استخدامه بشكل صحيح ولا يؤثر على الإبداع إذا تفاعل معه الطالب أو المختص، مضيفًا: "استخدمه في عمليات الشرح والفهم ولكن حل التدريبات أقوم به بنفسي حتى لا أفقد التفاعل الحيّ مع المعلومات، ولا استخدمه لإنجاز مهام الكلية".
بحث: "الذكاء الاصطناعي يعزز الإبداع اللغوي للطلاب"
يؤكد بحث علمي نشرته كلية التربية بجامعة أسيوط في العام 2023 بعنوان: "تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأثرها في تنمية الذات اللغوية والإبداعية لدى الطلاب الفائقين بالمرحلة الثانوية"، أن أدوات الذكاء الاصطناعي أثرت بشكل إيجابي في تطوير الذات اللغوية والإبداعية لدى الطلاب.
بلغت عينة البحث الذي أجراه الدكتور عبدالرازق مختار، أستاذ المناهج في كلية التربية جامعة أسيوط، والدكتور أحمد محمد أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة أسيوط، 30 طالبًا في المرحلة الثانوية الأزهرية.
وخلص البحث إلى أنه قبل تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، كانت نتائج الطلاب في مستوى الإبداع الذاتي منخفضة نسبيًا، لكن بعد استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي شهدت النتائج تحسنًا ملحوظًا، لذلك فإن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في دراسة اللغة العربية لها تأثير كبير على تطوير مهارات الطلاب وفق البحث.
هل للذكاء الاصطناعي تأثير سلبي على اللغة؟
لم يظهر البحث أي نتائج سلبية لاستخدام الذكاء الاصطناعي على دراسة اللغة العربية، ولكن علي عبدالنعيم، مدرس اللغة العربية بمدرسة سمالوط الثانوية بنين بمحافظة أسيوط، يرفض اتجاه الطلاب لاستخدام الذكاء الاصطناعي في دراسة اللغة العربية.
يقول لـ"المنياوية": "هذا سيؤدي إلى جمود في تفكير الطلاب وجعلهم يعتمدون بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي، واللغة العربية هي لغة التفكير النقدي والإبداع، وإذا استخدموها بهذه الطريقة فلن يكونوا قادرين على التفكير أو فهم قواعد اللغة بشكل صحيح".
يرى: "على سبيل المثال عندما يستخدم الطالب الذكاء الاصطناعي ستنحدر قدرته في كتابة نص خالٍ من الأخطاء النحوية، وفي إحدى المرات طلبت من طلابي كتابة مقال عن حرب 6 أكتوبر، فكتبه طالب باستخدام الذكاء الاصطناعي، ولكني كشفت الأمر بسبب معرفتي بمستواه في اللغة، وحين سألته عن معنى بعض المفردات المذكورة لم يعرف، لذلك كان الذكاء الاصطناعي هو الكاتب وليس الطالب".
يمثل اليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر تحديًا كبيرًا خلال العصر الرقمي الحالي، فاللغة العربية يتحدث بها 400 مليون شخص حول العالم، وكل يوم تُفرز أدوات وتقنيات جديدة للذكاء الاصطناعي يمكن أن تعزز من مكانتها.