في منتصف شهر يوليو الماضى قرر حسن محمد، مزارع من محافظة المنيا، زراعة المحصول الصيفى وهي الذرة الشامية، ومع بدئه في تجهيز الأرض اكتشف وجود مشكلة نقص الأسمدة في الجمعيات الزراعية، مما يُهدد إمكانية زراعة المحصول.
أشار محمد لأن هذه الازمة لم تُواجهه من قبل منذ عمله كمزارع منذ أكثر 40 عامًا، مُوضحًا أن ارتفاع أسعار الأسمدة الحالي لم يحدث من قبل أيضًا، مما أثر على تكلفة زراعة فدان في محصول الذرة مقارنة بالأعوام الماضية، وأضاف "الظاهر في الأرض أن إجمالي المحصول سيكون أقل من الأعوام الماضية، واحنا مش بنفكر في المكسب على قد ما بنفكر في أننا نغطي التكلفة".
فيما يؤكد ناصر عبد الله، مزارع من محافظة المنيا، أن المحافظ ووزير الزراعة مسؤولان عن حل الأزمة، ويرى ضرورة التدخل لعلاج مشكلة نقص الأسمدة عن طريق زيادة الرقابة على الجمعيات الزراعية.
ويضيف عبد الله قائلًا "لما بتنزل كمية من الأسمدة الكيماوية في الجمعيات الزراعية، بيتم توزيعها بالمحاباة لأقارب العاملين في الجمعية الزراعية".
تفتيش وسوق سوداء
يُذكر أن اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، كان قد كلف في 19 يوليو الماضي، وكيل وزارة الزراعة بالمنيا، بتشكيل لجنة لتوزيع الأسمدة الكيماوية بالتساوي على المزارعين وتشديد التفتيش والرقابة على الجمعيات الزراعية، للقضاء على مشكلة بيع الأسمدة المخصصة للجمعيات الزراعية في السوق السوداء.
وبالعودة لواقع الأزمة في المنيا، اشترى المزارع ناصر عبدالله جوالين أسمدة من السوق السوداء، فيما يؤكد أن الجوالين كُتب عليهما عبارة "غير مُصرّح بالبيع الخارجي"، وكانا من نفس العلامة التجارية التي تُوزّع بالجمعيات الزراعية. لم يكن لدى عبد الله تفسير لذلك، سوى أن بعض العاملين في الجمعيات الزراعية يستغلون أزمة نقص الأسمدة ويبيعون الأسمدة المدعمة لتجار السوق السوداء.
تحذيرات النقيب
ويشرح نقيب عام الفلاحين، حسين عبد الرحمن أبو صدام، أزمة الأسمدة قائلًا: "الأزمة ازدادت في شهر مايو الماضي، مع دخول موسم زراعة المحاصيل الصيفية، كانت الأزمة في الموسم الشتوي من شهر ديسمبر إلى نوفمبر، ولكنها لم تكن بهذا الحجم والتأثير على الموسم الزراعي".
يضيف أبو صدام بقوله "بدأت أسعار الأسمدة تزيد في السوق السوداء، ليصل سعر الطن إلى 21 ألف جنيه مقابل 5000 جنيه للطن في الجمعيات الزراعية".
يستكمل أبو صدام حديثه "جاءت لي شكاوى من المزارعين في جميع أنحاء الجمهورية بسبب نقص الأسمدة، وما كان عليّ إلا إبلاغ المسؤولين في الجمعيات الزراعية، بكل هذه الشكاوى، ومسؤولي الجمعيات يقولون إنه ليس لديهم حل للأزمة، وأن المشكلة في المصانع، وترجع مشكلة المصانع في نقص الغاز، مما يتسبب في عدم توريد الكميات للجمعيات الزراعية".
وأكمل قائلًا "والحقيقة إذا استمرت الأزمة ستتسبب في خسائر للفلاحين وتتسبب في زيادة أسعار بيع المحاصيل للمستهلك"
أزمة الغاز
أعلنت شركة أبو قير للأٍمدة، في 25 يونيو الماضي عن توقف مصانعها الثلاثة لإنتاج الأسمدة، والسبب كان نقص الغاز، فيما أعلنت مصانع "ميكو" في اليوم الذي يليه، عن توقفها عن إنتاج الأسمدة الكيماوية، مكُررة السبب ذاته. ويُعدّ المصنعان من المصانع الرئيسية المُوردة للأسمدة، التي تُوزع عبر وزارة الزراعة وجمعياتها الزراعية على مزارعي المنيا.
وحول أزمة الغاز يُعلّق نقيب الفلاحين قائلًا "الأزمة بدأت في الحل، وبدأ توريد غاز للمصانع، ونأمل أن تُورّد كميات الأسمدة للجمعيات الزراعية في أسرع وقت، قبل مجيء الموسم الشتوي، حتى لا تكون هناك مشكلة في المحصول، مما قد يدفع بعض الفلاحين للعزوف عن الزراعة، لأن تكلفة الزراعة ستصبح أكبر من سعر بيع المحصول".
وفسر "أبو صدام" توقعاته لارتفاع أسعار المحاصيل المزروعة بالموسم الصيفي الحالي بأن مزارعي الذرة يعانون منذ بداية الموسم الصيفي مع زيادة أسعار الأسمدة وعدم توافرها، فيما يحتاج محصول الذرة من خمسة إلى سبعة أجولة سماد للفدان.
إنتاج واستهلاك اليوريا
وبحسب تقرير منشور على موقع العربية، فإن مصر تنتج ما يتراوح بين6.5 إلى 7 مليون طن سنويًا من سماد اليوريا، وتحتل بهذا الإنتاج المرتبة السادسة عالميًا بنسبة 4%، كما تحتل مصر المرتبة الثامنة عالميًا ضمن كبرى الدول المستهلكة للأسمدة بمعدل حوالي 3.5 مليون طن من سماد اليوريا سنويًا، والمرتبة الرابعة عالميًا ضمن الدول المُصدرة لسماد اليوريا، إذ تبلغ كمية التصدير حوالي 4.5 مليون طن سنويًا.
وعن صعوبة الحصول على الأسمدة، يقول ناصر عبد الله، مزارع: "الأزمة تذكرنا بأزمة أسطوانات الغاز في عام 2011، ولكن بدلًا من مستودعات الغاز، يهرول المزارعون للجمعيات الزراعية التي شاع بها حصة سماد".
ويعاني عبدالله من آثار أزمة الأسمدة منذ شهر أغسطس 2023، حيث بدأت تقل الكميات تدريجيًا، وكان موظفي الجمعية الزراعية يُقدمون جوالين لكل مزارع، ويعدون بتسليم بقية حصته حين تتوافر دفعة أسمدة جديدة.
يعلق عبد الله بقوله "هذا ما كنا نسمعه من موظفي الجمعية الزراعية، وحصتنا الكاملة في الأساس لا تكفي سوى نصف ما تحتاجه الأرض للزراعة".
حلول وبدائل
وحول الحلول يقول عبد الله: "كنا نلجأ للسوق السوداء، لكن السعر في السوق السوداء أصبح مرتفع جدًا، كنا نأمل أن يغطي الإنتاج التكلفة، فالجوال في السوق الحرة يتراوح سعره ما بين 1100 إلى 1200 جنيه، وسعر جوال اليوريا في الجمعية الزراعية 250 جنيه والنترات 240 جنيه، ويحتاج فدان الذرة الشامية إلى 5 أجولة يوريا أو 7 أجولة نترات، واضطررنا العام الماضي للتوجه إلى إحدى الجمعيات الزراعية في مركز سمالوط، وحصلنا منها على السماد المدعم، لكن ذلك كان مجهود شاقًا".
وفي إطار البحث عن بديل، نفى نقيب الفلاحين، خلال حديثه لـ"المنياوية" إمكانية اتخاذ الأسمدة العضوية كبديل للأسمدة الكيماوية، مُعللًا ذلك بأن إنتاج الأرض سينخفض إلى النصف تقريبًا، فإذا كان إنتاج فدان الزراعة المدعوم بسماد كيماوي 20 أردب، فالفدان المدعوم بسماد عضوي سينتج 10 أردب فقط.
لا مفر
لم يشعر ناجح علي، مزارع من محافظة المنيا، بأزمة نقص الأسمدة حتى فوجيء بعدم حصوله على حصته في موسم الزراعة الصيفية، ويحكي قائلًا: "من أبريل الماضي أتردد على الجمعيات الزراعية، ولم أحصل على حصتي، وبسبب التأخير لجأت لشراء الأسمدة من السوق السوداء هذا كلفني كثيرًا".
ويشرح علي خسائره قائلًا "فدان الذرة العام الماضي أنتج 16 أردب ذرة، وما أقدرش أقول إنه قليل بس معقول، فكان سعر الأردب العام الماضي 2100 جنيه، وكان هناك ربح، فيما أتوقع أن هذا العام سوف يقل الإنتاج بسبب تأخر استخدام الأسمدة، ولكن سوف تزيد أسعار الأردب ليصل إلى 3000 جنيه على أقل تقدير".
تبنى عصام صابر، مزارع من محافظة المنيا، حلًا آخر، لجأ إليه بعد تضرره من أزمة الأسمدة، إذ قال: "ستدفعني أزمة الأسمدة لترك الزراعة، وإذا استمرت الأزمة، لن أزرع المحصول الشتوي، فإما سأؤجر أرضي أو أتركها لتبور".