قبل نحو 15 يوم بدأ حمدي سيد، المزارع بقرية سلوا في مركز كوم أمبو بأسوان، زراعة محصول الذرة الشامي المُستخدم في زراعتها سماد الجمعية الزراعية، الذي وصل سعر الجوال الواحد فيه 240 جنيه، بعدما كان سعره 150 جنيه.
يروي سيد لـ"عين الأسواني" أن مشكلة ارتفاع أسعار السماد بدأت قبل ثلاثة أشهر تحديدًا، فلم يرتفع فقط سعر السماد القادم من الجمعية الزراعية، بل إن أسمدة القطاع الخاص ارتفع سعرها أيضًا، فأصبح سعر الجوال 800 جنيه، بعدما كان سعره 500 جنيه.
يزرع سيد السمسم والكركديه وقصب السكر وعدد آخر من المحاصيل، لذا يحتاج لنحو طن من الأسمدة، ما يضطره إلى عدم الاكتفاء بأسمدة الجمعية الزراعية المُحددة بعدد 15 جوال للفدان، ويشتري سماد من القطاع الخاص.
خلال الفترة الحالية حصل سيد على جزء من حصة الأسمدة الخاصة به، فيما ينتظر منتصف الشهر الجاري إلى حين توريد الجمعية الزراعية كميات جديدة من الأسمدة، لمعرفة إذا كان له كمية أخرى، أم سيبلّغُه موظف الجمعية بأن الكمية الموجودة غير كافية وسيتم تسليمها لمزارعين آخرين.
وقتها سيضطر آسفًا لشراء السماد من الخارج بسعر عالٍ، فلا خيار له حتى لا تتأثر محاصيله، وأحد البدائل أن يشتري سماد سائب، يبلغ فيه الـ25 كيلو "للجردل" 240 جنيه، لذا يشتري حوالي ثلاثة "جرادل" بديلًا عن جوال السماد، ليُوفّر حوالي 100 جنيه على الأقل، إلا أن نوعية هذا السماد لا تناسب جميع أنواع محاصيله مثل المانجو والذرة، خاصة أن طريقة الري بالغمر توقفت في قريته، ما يُجبره على استخدام السماد المتوفر بالسوق الحر فقط.
تلك المشكلة لا تتعلق فقط بـ"سيد"، بل إن العديد من المزارعين يعانون منها، حيث يشتكي المزارع محمود طه من قرية الرمادي بمركز إدفو أيضًا من زيادة أسعار السماد، التي واجهها قبل 15 يومًا عندما قرر زراعة محصول الذرة الشامي في أرضه.
يرى طه أن الكمية المُقررة من مديرية الزراعة لا تُناسب الحاجة المطلوبة لأرضه مثل غيره من المزارعين، مُوضحًا "لو عندي 2 فدان، بيتصرف لي كمية تكفي نصف فدان!"، مما يضطره إلى الشراء من القطاع الخاص، التي حصل فيها على جوال سماد قوامه 50 كيلو بألف جنيه بدلًا من 500 جنيه في موسم الزراعة الشتوية الماضي.
مشكلة توافر السماد وارتفاع أسعاره التي يُعاني منها المزارعون الفترة الماضية، أقرّ بها وزير الزراعة واستصلاح الأراضي علاء فاروق، عبر مداخلة هاتفية لبرنامج "كلمة أخيرة" على قناة ON TV في 11 يوليو 2024، خلال جولة لعدد من الجمعيات الزراعية، بعد تلقّي شكاوى من بعض المزارعين، لافتًا إلى حل هذه الأزمة وعودة الجمعيات الزراعية إلى استلام كميات الأسمدة بشكل طبيعي بعد توقف المصانع خلال الأيام الماضية.
يحصل طه من مديرية الزراعة على كميات غير ثابتة من السماد بين ثلاث لخمس "أشولة"، ولحاجة الأرض الضرورية للسماد، يضطر الشراء من خارج المديرية ومن السوق السوداء، ويدّعي طه أن بعض المزارعين الذين يطلبون حصة من الأسمدة، تكون بموجب إقرارات حيازة زراعية مخصصة لأراضي زراعية لا يمتلكونها في الحقيقة.
ارتفع سعر الأسمدة بالتزامن مع وقف الشركة القابضة للصناعات الكيماوية "كيما" في أسوان في منتصف يونيو الماضي، فيما استمر التوقف لمدة شهر نتيجة نقص إمدادات الغاز، إذ أعلنت في أوائل يوليو الجاري إعادة التشغيل مرة أخرى بعد ضخ الغاز.
أزمة ارتفاع أسعار الأسمدة لم تتأثر فقط بذلك، بل أن المشكلة لها خلفية أكبر، فبحسب مواقع إخبارية، قررت الحكومة المصرية خفض توريدات الغاز إلى المصانع كثيفة استهلاك الطاقة في نوفمبر 2023، والذي سبق قبلها بثلاثة مما أشهر خفض كميات الغاز المخصصة لمصانع الأسمدة بنسبة تصل إلى 20%، مما أدى إلى إعلان شركة حلوان للأسمدة توقّف الإنتاج لمدة ثلاثة أيام جرّاء نقص إمدادات الغاز، والتي تبعها إعلان عدد من الشركات بوقف الإنتاج لنفس السبب.
وفي نفس الفترة التي خُفّض فيها توريدات الغاز قلّت أرباح شركة كيما، فعبر موقعها الرسمي بلغت الأرباح 513.62 مليون جنيه خلال الفترة من يوليو حتى نهاية ديسمبر 2023، مقابل أرباح بلغت 604.44 مليون جنيه في النصف المقارن من العام المالي الماضي بنسبة ١٥% تراجع على أساس سنوي.
من جهته، يشرح شاهين كمال الدين من إدارة العلاقات العامة والإعلام بمصنع كيما لـ"عين الأسواني"، سبب توقّف "كيما" قُرابة أسبوعين نتيجة انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي التي يحتاجها المصنع لتشغيل الماكينات لإنتاج الأسمدة.
و يضيف كمال الدين إن فترة توقف مدّ الغاز جرت أعمال صيانة دورية كان من المخطط إجراءها بعد شهر، لكن اليوم ومع عودة إمدادات الغاز يعمل المصنع بنسبة تتراوح من 110 إلى 115% من القدرة التشغيلية الفعلية للمصنع.
ويوضح شاهين أن المصنع استمر في العمل بعد وقف إمداده بالغاز الطبيعي اللازم، عبر استخدام الاحتياطي حتى نفاد الكمية، فيما أشار أن المصنع يمتلك قُرابة 50 ألف طن احتياطي.
ويضيف "يتوقف سعر الأسمدة حسب العرض والطلب، ففي فترة التوقف بلغ سعر الطن العالمي 100 دولار، وسعر اليوريا-نوع من أنواع الأسمدة- حاليًا بين 300 لـ 380 دولار، ويُورّد 55% من إنتاج المصنع إلى وزارة الزراعة بسعر مُدعّم من 400 لـ500 جنيه للطن، ولا يخضع تحديد سعره للمزارعين من قبل المصنع".
يظهر تقرير الفحص المحدود على القوائم المالية الدورية لشركة "كيما" في 31 مارس 2024، تقييم نحو 50.056 ألف طن من اليوريا بتكلفة الطن نحو 6185 جنيه باعتبارها مخزون شركة من اليوريا.
وتبين أنه ما زال هناك كمية مستحقة لوزارة الزراعة بنحو 93 ألف طن، قامت الشركة بتصدير نحو 43 ألف طن منها، بمتوسط 11.886 جنيه بدلًا من 4285 جنيه سعر البيع لوزارة الزراعة، إذ تُمثّل الكمية المُشار إليها ما كان يجب أن تحصل عليه وزارة الزراعة استكمالًا لحصتها، فقد حصلت على 114 ألف طن فقط في حين أن مطالبتها بنحو ۲۰۷ ألف طن.