قصص أمهات المنيا مع كابوس "اللبن الصناعي المدعم" و"الفحص المكروه"

تصوير: عبدالرحمن خليفة - مقر وحدة رعاية الأمومة والطفولة بالوحدة الصحية بالمنيا

كتب/ت عبدالرحمن خليفة
2024-08-13 13:57:07

تخوض هبة عصام، 25 عامًا، منذ مايو الماضي، رحلة دورية أول كل شهر من مسكنها في قرية إبشادات التابعة لمركز ملوي بمحافظة المنيا إلى منفذ صرف الألبان التابع للوحدة الصحية لقرية هور المُجاورة لبلدتها كي تتسلم علب اللبن الصناعي المقررة شهريًا لطفلها الرضيع.

"كان تعبي من الولادة القيصرية سببًا في عدم قدرتي على وضع الطفل على الثدي منذ اليوم الأول، ورغم أني حاولت بعدها إلا أنه لم تفلح محاولاتي، فظللت طوال العشرة أيام الأولى أحاول لكن دون نتيجة".

تقول هبة أن طبيبتها أخبرتها وقتها أن صِغَر حجم ثديها، وعدم وضع الطفل عليه طوال هذه المدة تسبّب فى قطع اللبن، ووصفت لها "اللبن الصناعي".

وبحسابات بسيطة حول تكلفة عبوات اللبن الصناعي التي سيحتاجه الطفل شهريًا كان الأمر يفوق دخل الأسرة الشهري، التي فورًا اتخذت قرار أن تتوجه هبة إلى الوحدة الصحية لإجراء الكشف الطبي التي تشترطه وزارة الصحة لتسليم أي أسرة عبوات لبن صناعية مدعمة.

وتنفذ وزارة الصحة هذا الاجراء عبر وحدات صحية محددة تستلم الطلبات وتجري الكشف الطبي، ويلحق بها منفذ توزيع، وتتناقص عدد العبوات المخصصة لكل طفل مع تقدمه في السن.

بأمر الطبيب

وتُحدد وزارة الصحة أولويات من لهم الحق في صرف اللبن المدعم، الحالة الأولى تكون وفاة الأم، انقطاع اللبن بشكل تام في ثدي الأم، وفي حالة إصابة الأم باكتئاب ما بعد الولادة، أو إصابتها بفيروس نقص المناعة، وتعاطي الأم لأدوية تؤثر على اللبن. في حالة التوائم يتُرك للأم واحد فقط حتى ترضعه طبيعيًا، ويُصرف لبن صناعي مُدعم للطفل الثاني، وفي حالة التوائم الثلاثية تتكفل وزارة الصحة بصرف اللبن لطفلين ويترك الثالث للأم حتى ترضعه.

حصلت هبة على موافقة الطبيبة التي أجرت الكشف الطبي الجسدي عليها داخل الوحدة أن أسرتها تستحق اللبن المدعم، على عكس سمر حفظي، ربة منزل من قرية أسمنت التابعة لمركز أبو قرقاص، التي تصف خضوعها للفحص الطبي بالمعاناة، إلا أنها لم تستطع أن تحصل من الطبيبة قبول أحقيتها للحصول على اللبن المدعم.

تقول سمر "أنجبت طفلي الثاني في فبراير الماضي، كان ثدييي يفرز اللبن، ولكن طبيب الأطفال قال لي أنه غير كاف لإشباع الطفل، وكتب لي نوع من اللبن الصناعي". 

تبدأ أسعار عبوة لبن الأطفال الصناعي بالسوق الحر من 250 جنيهًا، لذا اتجهت سمر إلى إجراء فحص للحصول على اللبن من المنفذ المدعم الذي حددته وزارة الصحة في الوحدات الصحية.

فوجئت "سمر" برفض طبيبة المركز لطلبها بالحصول على لبن الأطفال الصناعي المدعم، طالما أن ثديها يحتوي على لبن طبيعي، فاشتراطات وزارة الصحة لا تتضمن أن يكون كمية اللبن الطبيعي كافية أم لا.

تعلق "سمر" قائلة: "لم تستمع الطبيبة إلى حديثي أن اللبن قليل، وأني سأضطر إلى شراء لبن صناعي وأن أسرتي لا تقدر ماديًا على ذلك، فوفقًا لها هذا لا يدخل ضمن الضوابط، فطالما فيه لبن، ليس لي أحقية باللبن المدعم".

وعلى مدار ثلاث أشهر من ولادة طفلها، كانت "سمر" تشتري 10 عبوات لبن أطفال صناعي من الصيدلية شهريًا، بتكلفة تزيد عن 2000 جنيهًا شهريًا، ، فيما يبلغ دخل زوجها 7000 جنيه، حيث يعمل بمطعم. 

تشير سمر أن سعر العبوة ارتفع من 250 جنيه في فبراير الماضي إلى 400 جنيه، ولولا أنها بدأت في تخفيض عدد العبوات التي يحتاجها الطفل شهريًا بعد بدء إدخال الطعام في وجباته، ما كانت الأسرة تعرف مصير مواكبتها للإنفاق على هذا الارتفاع الكبير.

وتُوضح "سمر" قائلة: "قللت كمية اللبن الصناعي التي أشتريها لأني بدأت إطعام طفلي بعد بلوغه سن الـ6 أشهر، مما وفّر كثير من ميزانية الألبان، والحقيقة قررت عدم الإنجاب مرة أخرى لأني لا أعلم كيف سنسد بميزانيتنا القليلة احتياج الطفل شهريًا".

الدعم مقابل الفحص

تقول ع.م، رائدة ريفية تعمل بإحدى الوحدات الصحية التي تحتوي منفذ صرف ألبان: "تتجه السيدة التي تصرف لبن الأطفال المدعم إلى أقرب وحدة صحية بها مركز صرف الألبان، يقوم العاملين بعمل استمارة فيها وزن الطفل وطوله، ثم بعدها تذهب إلى الإدارة الصحية التي تكون في المركز نفسه، حيث يُجرى لها فحص يحدد إذا كانت السيدة تستحق الحصول على اللبن المدعم أم لا".

وتشرح "ع.م" الفحص بكونه اختبار للأم، إذ تُحاول إرضاع ابنها، لأنها من الممكن أنها لا تُرضعه بطريقة سليمة "في هذه الحالة تقدم لها الطبيبة الإرشادات اللازمة"، وإذا كانت ترضعه بطريقة صحيحة ولا يوجد لبن، تضغط الطبيبة على ثدي الأم، وفي حالة نزول قطرة حليب واحدة، لا يكون من حقها الحصول على لبن المدعم.

وتُدعّم أسعار اللبن في الأشهر الستة الأولى، ويبلغ سعر العلبة 5 جنيهات، أما في الستة أشهر الثانية يكون سعر العلبة 26 جنيه، تصرف الوزارة اللبن حتى يبلغ عمره سنة واحدة.

تؤكد "ع.م" أن اللبن دائمًا ما يكون متوفر في منافذ الصرف بالوحدات الصحية، يأخذ الطفل في الشهر الأول والثاني والثالث ستة علب، بعد الشهر الثالث حتى الشهر السادس يحصل على ثماني علب، أما الشهر السابع والثامن والتاسع فيحصل على أربع علب، ويقل العدد إلى علبتين في الشهر العاشر والحادي عشر والثاني عشر.

 ففي هذه الفترة يتعلم الطفل الطعام، وتضيف الرائدة الريفية أن القيمة الغذائية في اللبن المدعم ليست أفضل من لبن الأم، وإنما هو سدّ احتياج، فيما تذكر أنها قابلت الكثير من الأطفال الذين لا يقبلون نوعية اللبن المدعم، وتلجأ الأمهات في تلك الحالة إلى شراء الألبان المخصصة لهم من الصيدليات.

"فحص مهين"

تصف هبة عصام الفحص الطبي أنه كان "مُهينًا جدًا"، تقول: "كنت أستمع إلى أحاديث من خاضوا تجربة الفحص الطبي للبن الأم ، وكنت قلقة من إجراؤه، لكني كنت مضطرة لأن البديل بالسوق الحر مُكلف جدًا، وزوجي محدود الدخل".

تشرح "هبة" تجربة أداء الفحص الطبي قائلة: "طبيبة الوحدة الصحية كانت تضغط على صدري بقوة، وعانيت لمدة ثلاث أيام من ألم في الثدي بسبب الفحص".

 تُعبّر أيضًا سمر عن استيائها لما حدث لها في الفحص الطبي، فتقول "لو أعلم أن الطبيبة التي تجري الفحص لن تستمع إلى كلامي، ولن تنظر في الأوراق التي تُثبت أنه يحتاج إلى غذاء آخر لأن لبن الثدي قليل، لما ذهبت للفحص"، حتى أن الطبيبة قالت لها ما أثار غضبها "دي روشتات من طبيب مينفعش أعترف بيه".

المسؤول يرد

وفي رد الطبيبة حنان صابر، مسؤولة رعاية الأمومة والطفولة بالإدارة الصحية بالمنيا، قالت إن الأم التي تخضع للفحص الطبي بالمنيا، ونجد لديها لبن، يُجرى توعيتهن بأهمية الرضاعة الطبيعية، إذ تمنعهن ضوابط وزارة الصحة من صرف اللبن الصناعي للأطفال، إلا في حالة الانقطاع التام للبن الأم الطبيعي، مؤكدة على "نحن نهتم بحصول الطفل على رضاعة طبيعية". 

أما في حالة الأم المريضة فتكون مُلزمة بتقديم أوراق وتقارير طبية توضح حالتها، على أن تكون الأوراق مُوثّقة من مستشفى حكومي. فهناك بعض السيدات التي تلجأ إلى حيل لصرف الألبان مثل استبدال السيدة بسيدة أخرى لإجراء الفحص، ولكن نقوم بالتحقق من هويتها من خلال بطاقة الرقم القومي، قبل صرف حصتها من الألبان والتوقيع على الفحص الطبي.

اختفاء اللبن 

على صعيد آخر لم تفكر منال عبد الله في خوض رحلة الفحص، إذ إنها أنجبت طفلها الأول منذ ثمانية أشهر، وكان يعاني من الارتجاع ولا يقبل لبن الثدي، لذا أكد لها طبيب الأطفال الخاص أن الألبان المدعمة لا تصلُح لحالته، واضطرت إلى شراء لبن أطفال صناعي له خلال الأشهر الثلاثة الأولى، فيما بلغت تكلفة العلبة الواحدة 450 جنيهًا.

تقول "منال": "كان طفلي يستهلك ستة علب شهريًا، ولم يكن النوع متوفرًا في صيدليات المنيا، كنت أجلبه من القاهرة، ومن الشهر الثالث حتى الشهر السابع كان يحصل على ثمان علب شهريًا"، بلغ سعر العلبة في هذه المدة ما بين 550 إلى 600 جنيه، فاضطرت الأم لشراء علبتين فقط الشهر الماضي. 

وتعليقًا على أزمة اختفاء اللبن الصناعي العلاجي لطفل منال، أكدت مسؤولة رعاية الأمومة والطفولة بالإدارة الصحية، أن وزارة الصحة تصرف الألبان العلاجية بالمجان، وهي الألبان الصناعية المُقدّمة للأطفال ذوي الحالات المرضية التي تستلزم نوعًا معينًا من الألبان الصناعية، كإصابة الطفل بحساسية الألبان أو أمراض وراثية تستلزم لبنًا صناعيًا مخصصًا أو الأطفال "ناقصي الوزن"، فيما تكفّلت مستشفى مصر الحرة، المعروفة باسم "سوزان القديمة"، بصرف الألبان الصناعية العلاجية للأطفال في محافظة المنيا.

وأضافت حنان "لا يوجد نقص في الألبان الصناعية لأطفال المرحلة الأولى، لكن بعض الأحيان يكون هناك نقص في ألبان المرحلة الثانية، لكن لا يستمر النقص سوى ليوم أو يومين"