قبل الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي اندلعت منتصف أبريل الماضي، كان محمد أحمد ابن مركز ملوي يدرس الطب البشري في جامعة السودان، بالعاصمة الخرطوم، في الفرقة الثالثة، ويسكن في بيت مشترك مع مصريين آخرين، ممن توجهوا للدراسة في السودان بعدما لم تُحقق نتائجهم في الثانوية العامة درجات تنسيق الجامعات المصرية.. ووسط أجواء الدراسة العادية، لا يؤرقهم سوى حنين للأهل والأصدقاء أو ضغوط الوحدة.
كذلك أحمد رمضان، ابن نفس المركز، الذي كان يدرس في كلية الصفا، ويقطن في سكن مشترك مع طلاب آخرين، لا يفصله عن الكلية سوى شارع واحد فقط.
مع استمرار الاشتباكات، قررا التوجه مع غيرهما من طلاب محافظة المنيا نحو مصر خاصة مع فرار السودانيين أنفسهم إليها، وفي ظل انقطاع الاتصالات بينهم وجامعاتهم.
وبينما وصلا محمد وأحمد إلى أحضان أسرتيهما في أمان، يختلف الوجه الآخر لقصتهما في تحويل الدراسة في مصر.
فما أن وصلا إلى المنيا، حتى صدر قرار المجلس الأعلى للجامعات مطلع مايو الماضي، والذي سمح وفق عدة ضوابط، باستقبال أوراق الطلاب العائدين من روسيا وأوكرانيا والسودان لاستكمال الدراسة في جامعات مصرية محددة.
إلا أن شروط الالتحاق بالدراسة في كلية الصفا التي يدرس فيها أحمد رمضان كانت أن يدفع الطالب مصروفات العام الدراسي فقط، على عكس جامعة محمد أحمد التي اشترطت الحصول على مصروفات الخمس سنوات دراسية قبل التسجيل.
وقد دبّرت أسرة محمد أحمد المصروفات بالفعل، أربعة آلاف دولار، وهو مبلغ لم يكن بالقليل بالنسبة لهم، لذا فمجرد أن يُطلب منهم دفع مصروفات جديدة للدراسة في جامعة خاصة في مصر، فإن الأمر سيكون غير متاح.
ويشعر محمد بأنه في ضائقة كبيرة، يصف مصيره بأنه "معلّق"، ينتظر أن تتدخل السفارة المصرية أو وزارة الهجرة وإلا "ضاع مستقبله"، على حد وصفه.
وقد حاول محمد خلال الشهر الماضي التواصل مع الجامعة لمعرفة مصير هذا المبلغ الذي دفعه حتى يكون قادرًا على التقديم في الجامعات المصرية، دون رد.
كان الأمر أقل تعقيدًا بالنسبة لأحمد رمضان، والذي يستعد لاستكمال دراسته في جامعة بني سويف الأهلية بعدما استقبل خطابها بقبوله فيها، مستعوضًا مصروفات هذا العام، والبدء من جديد العام الدراسي المقبل.
لكن يؤرق أحمد المشاهد العالقة في ذاكرته التي شهدها فترة الاشتباكات وأثناء عودته، يقول إنه كان يشعر دومًا بالتوتر في الشارع، ويضيف: "كنّا نقول لأنفسنا أننا سنركز على الدراسة إلى أن نعود إلى مصر مجددًا".
ويصف أحمد الفترة التي قضاها حتى استطاع ترتيب العودة إلى مصر بالصعبة، انقطعت الكهرباء ومن ثم خدمات الإنترنت، والاتصالات، لم يكن يرى سوى جثث ضحايا الاشتباكات في الطريق كلما نظر من نافذة السكن، بينما أصوات القصف المتبادل لا تنقطع ليلًا ونهارًا، ثم توقفت المحاضرات، وأغلقت الجامعة أبوابها دون أي تواصل مع الطلاب، وساد الخوف والقلق الجميع.
ثم تواصلت السفارة المصرية في الخرطوم معه وغيره من المصريين لإجلائهم من السودان، يقول إنهم حاولوا ادخار الطعام والشراب وتقنين استهلاكهم ذلك الوقت؛ لأنهم في النهاية لم يكونوا على علم بالمدة التي سيقضونها، فقد كانت نقطة التجمع عند معبر أرقين الحدودي.
آثر أحمد العودة مبكرًا، وحجز مقعدًا في أتوبيس بري متجه إلى مصر، كلّف عشرة آلاف جنيه مصري، بزيادة 16 ضعفًا تقريبًا عما كان يدفعه قبل ذلك، وهو 600 جنيه، حاول أن يجمع بعض مقتنياته لكنه اضطر إلى ترك بعضها هناك، يقول "كلما كنت أخف كان أسلم".