في صباح الخميس 25 يوليو الجاري، رفعت الحكومة المصرية أسعار البنزين والسولار، وهي المرة الثانية خلال عام 2024 فقط، ليفاجأ المواطنين بالقرار منشورًا في الجريدة الرسمية المصرية، ليزداد سعر لتر البنزين 95 لـ 15 جنيه بدلاً من 13.50 جنيه، وبنزين 92 يصل 13.75 جنيه بدلاً من 12.50 جنيه، ثم تحرك بنزين 80 من 11 جنيه لـ 12.25 جنيه، كما تحدد السولار بـ11.50 جنيه بعدما كان 10 جنيهات لكل لتر.
ولم يستغرق القرار وقت طويل لينعكس مباشرة على الأسواق والتنقلات اليومية وأسعار السلع، وبدأ المواطنون مباشرة في تحمل أولى فواتير رفع الأسعار، مع رحلتهم اليومية في بعض المواصلات وبالطبع سياراتهم الخاصة.
" أجازة تشعلها أسعار البنزين"
صدر القرار في قرابة الساعة 11 صباحًا من يوم الخميس، الذي كان إجازة مدفوعة الأجر للموظفين بمناسبة ثورة 23 يوليو بدلًا من الثلاثاء، إلا أن الأمر تزامن مع خطط محمد أحمد وأسرته لزيارة عائلته، ليتفاجأ بالقرار هو وكل من نزل إلى الشارع في ذلك اليوم سواء للزيارة أو التنزه أو عاملًا باليومية، بمجرد اكتشاف رفع سعر تعريفة "الميكروباصات"، مع ثبات سعر تذكرة المترو واتوبيسات النقل العام.
يحكي محمد أحمد أنه قرر أخذ أسرته لقضاء يوم عند أقاربه بالسيدة زينب. وفي قرابة الساعة 12 صباحًا، تحركت الأسرة.
لم يكن يعرف القرار، فلم يأخذ وقته ذاك اليوم في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي كما يفعل صباح كل يوم، وتفاجئ بصوت سائق الميكروباص المتجه من ميدان المطبعة إلى السيدة زينب "الأجرة خمسة ونص يا حضرات"، فرد عليه أحد الراكبين "ليه ياسطا؟" مشيرًا إلى أنها بـ "خمس جنيهات فقط"، وكان رد السائق " البنزين غالي .. إيه انت مش متابع؟".
خيم على الميكروباص حالة من الصمت لدى البعض، وحالة من الاعتراض والسخط لدى الآخرين، لكن ظل أحمد في حالة من الصدمة، ولم يسعفه سوى "كارت الفكة" في فتح مواقع التواصل والتعرف على الاسعار الجديدة للبنزين. وبعدما صارت ميزانية الأسرة لا تسمح بشراء باقات إنترنت، صار يفكر في إنها قد لا تسمح أيضًا بمثل هذه الزيارات الجماعية الأسرية.
يقول أحمد "أنا بقيت يوميًا بدفع تقريبا 70 جنيه أو اكتر مواصلات، هو ده طبيعي؟، لو معايا العيال وامهم ورايحين مشوار أو نزور حد بندفع مواصلات أكتر، وفي النهاية أنا مش واخدهم في تاكسي.. ولسه مجبتش حلويات أو حاجة أدخل بيها للناس اللي هنزورهم، ليه النزول من البيت بقي محتاج 200 جنيه في مواصلات وحاجات بسيطة! ".
"سنوات من التعويم والصدمات"
لم يكن قرار زيادة أسعار البنزين جديدًا. فهو كابوس بات يحل على جيوب المواطنين تقريبًا كل ثلاث أشهر، آخرهم مارس الماضي. فبعد قرار الحكومة المصرية بخفض سعر الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية "التعويم"، ليرتفع سعر صرف الدولار من 30 جنيه إلى 49 جنيه، تلقى بعده مباشرة المواطنين في 25 مارس الماضي، زيادة أسعار البنزين، فارتفع سعر السولار من 8.50 جنيه إلى 10 جنيهات،وسعر بنزين 95 إلى 13.50 جنيه، بعدما كان سعره 12.50 جنيه لكل لتر، ووصل بنزين 80 وصل إلى 11 جنيه للتر بدلاً من 10 جنيهات.
ارتبط التعويم برفع سعر البنزين، في 2016 بعد تحريك سعر صرف الدولار لـ 15.77 جنيه، من 8.8 جنيه، ثم لاحقه رفع سعر البنزين 80 لـ 2.35 جنيه، و92 لـ 3.5 جنيه، ثم السولار لـ 1.6 جنيه، وفي 2017 رفع سعر كلاً منهم بين جنيه وجنيه ونصف.
وتكررت زيادة سعر البنزين، لتصبح طقس سنوي، ففي 2018 و 2019 رفع سعر البنزين، حتى وصل في 2019 لـ 6.35 جنيه لبنزين 82، وبنزين 92 لـ 8 جنيهات، وبنزين 95 لـ 7.75 جنيه، و السولار 6.75 جنيه، وفي 2020 في ظل جائجة كورونا، وماتبعها في 2021 و 2022 من تأثير للجائحة على الاقتصاد العالمي وخسارة عددًا من الموظفين لعملهم، ارتفع سعر البنزين ليصل بنزين 95 لـ 10.75 جنيه، و الـ 92 لـ 9.25 جنيه، وبنزين 80 بلغ 8 جنيهات، والسولار ارتفع بفارق خمسون قرشًا ليصل لـ 7.25 جنيه، بدلاً من 6.75 جنيه.
وانتهى عام 2023، بقرار رفع السعر من جنيه إلى 2 جنيه لكل نوع، وكان الأكثر رفعًا للسعر هو بنزين 95، حيث بلغ 12.50 جنيه، ثم سعر السولار لـ 8.25 جنيه.
"الرحلة إلى العمل"
ركن محمد طه سيارته في الجراج، بعد صدور القرار، لأن موعد صدور القرار غير مناسب بالنسبة له، نتيجة لنهاية الشهر وبالتالي انتهاء راتبه، الذي لا يتحمل أسعار البنزين بعد الزيادة، رغم أن سيارته "موديل التسعينات"، فهي تحتاج إلى بنزين 80، الذي لا يتوفر أغلب الوقت، بينما تحتاج خلال هذا الأسبوع إلى ميزانية تقارب 500 جنيه حتى يستطيع استخدامها في خلال هذا الأسبوع للذهاب إلى عمله من دار السلام للشركة التي يعمل فيها كمحاسب، بين منطقتي طرة و كوتسيكا، فاختار أن يستخدم المترو توفيرًا لذلك المبلغ في اخر اسبوع بالشهر لأن أسرته أولى به، حسب وصفه.
يوضح طه أن كان المنطقي تطبيق القرار في بداية الشهر، حتى يستطيع الموظفين الذين يستخدمون سياراتهم بشكل يومي التعامل مع القرار ووضع ميزانية للبنزين كل شهر، لأنه بعد الزيادة يتوقع أن ميزانية البنزين الشهرية مهددة بسبب تضاعفها، وأنها ستكون غير مناسبة لراتبه، وبالتالي يتوقع أن استخدام سيارته للذهاب للعمل ستصبح رفاهية، وأنه سيعود لاستخدام المترو، مثلما كان خريج حديث يتدرب بمكتب محاسبة، ولديه حلم الحصول على سيارة ترافقه في الذهاب للعمل.
رفاهية امتلاك سيارة، لم تكن لدى محمد عبد العال (اسم مستعار) فهو يعمل كعامل بناء، وكل منطقة عمل يختلف عن الأخر في متطلبات المواصلات، فأوقات يجبره العمل في الذهاب إلى منطقة التجمع بالقاهرة الجديدة، وأوقات أخري يذهب إلى السيدة زينب، واحيانًا يتطلب منه السفر إلى محافظة أخرى، بينما يصرف نصف يوميته التي لا تتعدى 200 جنيه على المواصلات.
ذلك في حالة حصوله على يومية بالاساس، فاحيانًا يتطلب منه العمل داخل مشروع، أن يتم صرف مستحقاته بعد إنتهاء المشروع، أو إنتهاء مهمته بالمشروع، مما يتطلب قرابة شهر، بينما احيانًا يقدم له مهندس الموقع، مبلغ للمواصلات فهذه الحالات، وفي مشروعات أخري يعمل بها لأ يقدم له هذا الدعم.
يكمل عبد العال "أنا مبقتش فاهم ليه المواصلات العادية تكلفني كل ده!".
"أزمة الكارتة و الأجرة"
في ميدان المطبعة بحي دار السلام، حيث موقف الميكروباصات الرئيسي بالمنمطقة، إلى جانبه موقف تاكسي فارغ من الراكبين، ثم موقف أتوبيسات النقل العام الوحيدة بالحي، وفي المقابل يكون قسم شرطة دار السلام والسجل المدني الخاص بالحي، يجلس سائقين (رفضوا ذكر اسمهم) الميكروباصات على منضدة امام الميكروباصات، يتحدثون ليأخذوا قرار جماعي بخصوص أزمتهم مع البنزين وسعر الأجرة والكارتة.
حضر "صوت السلام" هذا الاجتماع، وكانت نتائجه هو رفع الأجرة نصف جنيه لكل الخطوط، خط المعادي اصبح بـ ثلاثة جنيهات ونصف بدلاً من 3، وخط السيدة زينب والجيزة خمسة جنيهات ونصف، وخط الهرم فيصل أصبح 8 جنيهات ونصف، وخط المحور\ البراجيل وصل لـ 10 جنيهات.
بينما عبر سائقي خطوط الهرم عن غضبهم من سعر "الكارتة" في موقف الهرم، حيث يسددوا 10 جنيه في كل رحلة جديدة للخروج من الموقف، بينما "كارتة" موقف المطبعة وباقي مواقف الخطوط الأخرى تطلب 20 جنيه في الوردية فقط، فيما يشكوا السائقين رفع سعر "الكارتة" مع كل رفع لأسعار بنزين، فقبل الزيادة في مارس الماضي كان سعرها 8 جنيهات بنفس الخط، وقد تعلن زيادة جديدة خلال هذه الأيام بسبب الزيادة الجديدة، ويتوقع السائقين أن تصبح "الكارتة" بين 12 أو 15 جنيه عن كل رحلة من الموقف.
يقول أحد السائقين الذي رفض ذكر اسمه " يعني إيه كارتة تزود عليا الفلوس بسبب زيادة سعر البنزين، وليه خط الهرم بس؟ .. هو الهرم فيه بلطجية وباقي الخطوط لا.. مش كفاية بنزين زيادة وتصليح العربية، لا كمان واحد قاعد على كرسي بياخد مني 6000 جنيه في الشهر، لو طلعت 20 مرة في اليوم، واشتغلت الشهر كله".
يكشف زيادة أسعار البنزين أزمات متتالية لدي بعض القطاعات، بين "كارتة" مواقف الميكروباصات، وتأثيرها على ميزانية الشهر، والعودة إلى استخدام المواصلات العامة بعد امتلاك سيارة، ثم كشف أزمة الدخول غير الثابتة للعمال، وإنهاء نصف الراتب على المواصلات للذهاب للعمل، فيما ينتظر المواطنين أن تأثير تلك الارتفاعات على أسعار السلع الغذائية وبقية الخدمات التي يحتاجونها لحياتهم اليومية.