بسبب ضربات الشمس والعطش جرّاء ارتفاع درجة الحرارة في أسوان، مات نحو 50 سوداني يوم الجمعة الماضية، التي وصلت فيها درجة الحرارة إلى 49.8 درجة مئوية، مُسجّلة أعلى درجة حرارة في العالم، وإلى الآن لا تزال بعض جثامين السودانيين تستقر داخل مشرحة أسوان العمومية القادمين إلى مصر بطرق غير شرعية هربًا من الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فيما جلست خارج المشرحة سيدة تنتظر مع أحد أفراد عائلتها الانتهاء من غسل جثة والدتها، بعد صدور إجراءات استخراج الجثة التي تُوفيت على الحدود المصرية السودانية.
وفي إحدى طرقات المشرحة بدأت سيدة من المتطوعين-رفضت ذكر اسمها- تحضير أكفان جثث ضحايا العطش وارتفاع درجة الحرارة، فيما يساعدها أحد العاملين في تحضير الأدوات، وفي الغرفة المقابلة تهاتف ابنة إحدى المتوفيات أقاربها باكية لما جرى لوالدتها.
في المقعد المقابل تحدّث "عين الأسواني" مع منى صلاح سوادنية وابنة خالة ضحية أخرى جاءت لاستخراج إجراءات الدفن، تقول منى إنها جاءت إلى القاهرة في فبراير الماضي بتأشيرة دخول مُسبقة، ونظرًا لصعوبة الحصول على تأشيرة قررت ابنتا خالتها السفر من ولاية الجزيرة بالسودان إلى مصر بطريقة غير شرعية.
وتضيف منى أنه في الأسبوع الماضي أبلغتها الفتاتين بقدومهما إلى مصر "وكنت على تواصل معهم حتى صباح يوم الجمعة"، لكن المياه نفدت منهما، ولم تستطع إحدى الفتاتين التحمّل بسبب إصابتها بمرض القلب، فيما حاولت بقية المجموعة شُرب المياه المُستخدمة لتشغيل السيارة، لكن ابنة الخالة دخلت في غيبوبة بسبب شرب تلك المياه الساخنة.
وتُكمل منى بقولها "وبعد وصول السيارة إلى مستشفى أسوان الجامعي حاولوا إنقاذها، لكنها توفيت"، وعن وضع ابنة خالتها الأخرى فهي تقبع حاليًا في يد الأمن وتنتظر قرار ترحيلها إلى السودان، وتضيف منى "جئت إلى المشرحة لاستخراج تصاريح الدفن لابنة خالتي، ودفع تكاليف ترحيل ابنة خالتي الأخرى إلى السودان".
ويصف حسن عاطف، عامل استقبال مشرحة أسوان، مشهد الفاجعة بقوله "بعد صلاة الظهر يوم الجمعة الماضي بدأت سيارات الإسعاف في توافد جثامين السودانيين المتوفين نتيجة العطش وارتفاع درجات الحرارة"، وقال إن بعضهم جاء عن طريق الحدود المصرية السودانية، فيما تُوفي سودانيون آخرون في نفس اليوم بسبب ارتفاع درجة الحرارة، غير أنهم مُقيمين بمنطقتي وادي العلاقي والجُزيرة، ويعملون هناك في استخراج الذهب، وآخرين توفوا في نفس اليوم أيضًا، غير أنهم كانوا مرضى يتعالجون داخل مستشفى أسوان العام، ومقيمين في أسوان منذ وقت طويل.
ويقول عاطف إن عدد الجثامين جميعها وصل إلى 50 شخص، وبسبب عدم استيعاب ثلاجات المشرحة العدد، وُضعت بعض الجثامين على الأرضية، وأكد عامل الاستقبال أن المشرحة تضم حاليًا نحو 24 جثة بعدما "استلمت بعض الأسر جثامين ذويهم".
لكن أميرة حسن، عضو بمبادرة الأشقاء السودانيين التابعة للقنصلية السودانية بأسوان، أكدت أنه بلغهم نبأ وصول إصابات ومتوفين قاربت الـ100 حالة قادمة من الحدود المصرية السودانية بطرق غير شرعية، بحثًا عن الأمن والآمان يوم الجمعة الماضية.
وأضافت أن الجثامين وصلت إلى مستشفى أسوان الجامعي، وجرى تشخيص وفاتهم بسبب العطش جراء ارتفاع درجات الحرارة، فيما تواصلت مبادرة الأشقاء السودانيين مع السلطات والجهات المختصة للتنسيق والتواصل مع عائلاتهم لدفن ذويهم.
أما عن مصير المتوفين أوضحت أميرة "واجهنا مشكلة في توفير مقابر للدفن، ولذلك قام أهالي مناطق غرب أسوان ونجع المحطة والكرور بتقديم مساعدات لتوفير مقابر بمناطق الدفن الخاصة بهم، وقمنا أمس بدفن نحو 19 جثة في المناطق الثلاثة، وساعدتنا السلطات المصرية في استخراج التصاريح والدفع بمتطوعين شاركوا في تغسيل المتوفيين".