منذ السابع من أكتوبر تغيرت خريطة اهتمامات مواطني العالم العربي ومنهم مصر، الجميع يتحدث عن عملية "طوفان الأقصى" وعن خطابات "أبوعبيدة"، ويتابع بحزن بالغ المجازر التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما أوقع آلاف الشهداء والجرحى بين المدنيين، وهو الاهتمام الذي أسفر عن دعوات واسعة لمقاطعة المنتجات الأجنبية الداعمة للاحتلال بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص.
فيديو واحد تداوله الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي لوجبات من مطاعم "ماكدونالدز" الأمريكية مرسلة لجنود الاحتلال؛ كان سببًا في إثارة غضب كبير، ومنه خرجت دعوات مقاطعة سلسلة المطاعم التي شهدت انخفاضًا بنسبة 70 % في مبيعات فروعها في مصر عن شهريّ أكتوبر ونوفمبر بالمقارنة بالشهرين نفسهما عن العام الماضي، وفق وكالة "رويترز”.
ودعوات مقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال ليست وليدة اللحظة، ففي الانتفاضات الفلسطينية السابقة خرجت نفس الدعوات التي تبلورت مؤخرًا إلى مبادرات ينظمها الأفراد لتوعية الأصدقاء والدوائر المقربة وحثهم على المقاطعة.
وفي أسوان تزينت المحلات التجارية بلافتات المقاطعة، ومنها محل محمد عبدالحي، 58 عام، صاحب محل لبيع السلع الغذائية في منطقة الطابية.
و"عبدالحي" لم يبدأ مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال مع السابع من أكتوبر الماضي، يقول: “في 2020 توقفت عن بيع المنتجات الفرنسية بعد انتشار الصور المسيئة للنبي محمد في فرنسا، واستبدلتها بمنتجات أخرى، والآن مع استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة توقفت عن بيع باقي المنتجات الأجنبية وتوفير بدائل محلية".
وقبل شهر من المقاطعة، انتظر "عبدالحي" بيع كل ما لديه من المنتجات الأجنبية، ثم بدأ في تصفح المواقع لمعرفة السلع التي دخلت قوائم المقاطعة والبحث عن البديل، يقول: “الزبائن تفاعلت مع المقاطعة وتسألني دائمًا عن السلع المحلية التي تشهد إقبالًا أكثر من الأجنبية، خاصة مع انخفاض سعرها".
وعن مدى توفر المنتجات المحلية يضيف: “قبل المقاطعة كانت متوفرة بكثرة، ولكن مع زيادة الإقبال هناك صعوبة في توفيرها وخاصة المشروبات الغازية".
ويتمنى "عبدالحي" استمرار المقاطعة لمساعدته في الاعتماد على السلع المحلية.
وللمقاطعة حركة فلسطينية هي BDS أو حركة مقاطعة إسرائيل، وتستهدف سحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات، وهي عالمية الامتداد، وانطلقت عام 2005؛ بهدف مقاومة الاحتلال، واستطاعت تحقيق أثرًا في عزل النظام الإسرائيلي أكاديميًا وثقافيًا وسياسيًا وبدرجة ما اقتصاديًا.
وصار للحملة فرعًا في مصر عام 2015، وخصصت جهودها للإعلان عن المنتجات التي في قائمة المقاطعة وأيضًا الشركات الداعمة للاحتلال ، ثم واصلت تفنيد إدعاءات البعض بعدم علاقة محلات معينة بالاحتلال.
وحققت نجاحًا كبيرًا بتراجع جهات عن التعامل مع الاحتلال، ومنها تراجع فندق "توليب" في القاهرة عن استضافة مهرجان موسيقي تشارك به فرق تابعة لدولة الاحتلال تحت اسم Nabia festival والذي كان مقررًا في 2022.
ومع تحقيق حملات المقاطعة انتشارًا بالتزامن مع السابع من أكتوبر، خرج للنور تطبيقًا إلكترونيًا يحمل اسم "قضيتي" ومخصصة جهوده كلها في توفير أسماء سلع المقاطعة.
وبدأ إسلام بدري، 24 عام، مدير مشتريات بسلسلة متاجر للسلع الغذائية بأسوان، مبادرته في التشجيع على المقاطعة، وقال: “منذ بداية القصف على قطاع غزة قررنا المشاركة في المقاطعة".
ولم يتخل "بدري" عن المنتجات الأجنبية، ولكن وضع عليها لوحات تنبيهية على الأرفف المخصصة لها بأنها المنتجات الموجودة في قائمة المقاطعة، كما وفر بجانبها منتجات محلية بديلة تغطي 70 % من سلع المحل؛ بهدف تحفيز المستهلك على شرائها.
وأضاف: “نسبة إقبال الزبائن على المقاطعة داخل المحل تقدر بـ80%".
لكن هذا لم يمنع "بدري" من مواجهة صعوبات في توفير بعض السلع المحلية مثل المشروبات الغازية ومنتجات القهوة السريعة.
أما عن الأسعار فيقول: “ارتفع بعضها مع انتشار حملات المقاطعة بمقدار جنيه ونصف، لكن عامة أسعار السلع المحلية أقل من سلع المقاطعة، وهناك بعض الوكلاء استغلوا الإقبال على السلع المحلية في زيادة الأسعار والبعض الآخر كان إيجابيًا وساعدنا في توفير ما نريد من السلع، وإذا استمرت حالة المقاطعة من جميع المحلات واتجاه الزبائن على المحلي سيقلل من الخسائر لدينا".
ورصد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية المصري تراجعًا بنسبة 30 % على شراء سلع العلامات التجارية الأجنبية بعد حملات المقاطعة الأخيرة، وتشجيع الطلب على المنتجات المحلية التي ارتفعت مبيعات شركاتها وخاصة في مجال الأغذية والمشروبات، بحسب دراسة للباحثة سالي عاشور، نشرها المركز 28 نوفمبر الماضي.
معانا ولا علينا؟
ورصد "عين الأسواني" أصداء حملات المقاطعة بين المستهلكين في أسوان.
تقول جهاد أحمد، 26 عام، مدرسة رياضيات: “الجنيه بيفرق معاهم، أنا مقتنعة بجدوى حملات المقاطعة للمنتجات الأجنبية التي تخصص شركاتها جزء من أرباحها لدعم الاحتلال، الجنيه لا يفرق معنا كمستهلكين لكنه يحقق للشركات فارق كبير".
ومع ذلك فـ"جهاد" تعاني من عدم توافر السلع المحلية بسهولة في المتاجر القريبة من منزلها، تضيف بحزن: “أحيانًا أشتري سلع أظنها محلية لكن اكتشف بعدها أنها تقع ضمن سلع المقاطعة، لكنني أحاول قدر الإمكان شراء المحلي رغم جودته السيئة التي لا تنافس السلع الأجنبية، لكن في النهاية علينا المقاطعة حتى نضغط على اقتصاد الشركات الداعمة لإسرائيل".
أحمد محمود، 19 عام، طالب في كلية التربية جامعة أسوان، استغنى عن السلع الأجنبية واكتفى بالمحلية رغم ندرتها في الأسواق، خاصة المياه الغازية، مضيفًا: “المشروبات المحلية أسعارها غير مستقرة، وقد أجدها بأسعار أعلى من المقاطعة، وفي بعض الوقت إذا لم أجد السلع المحلية في نطاق سكني اشتري المقاطعة لحين توفر البديل".
ورغم اقتناع طالبة في المرحلة الدراسية الثانوية - رفضت ذكر إسمها، بجدوى المقاطعة في دعم القضية الفلسطينية، إلا أنها لازالت تشتري المنتجات الأجنبية، وتقول: “السلع المحلية جودتها سيئة جدًا وغير متوفرة وأسعارها غير ثابتة، لذا اتجه لسلع المقاطعة المتوفرة بكثرة".