بعد التحاقها بكلية التربية الرياضية، قررت عائشة خوض تجربة التحكيم الرياضي لكرة القدم، وإعداد نفسها لتلقي تدريبات خاصة بكليتها التي ما زالت تدرس بها.
“حاولت تجربة شيء جديد وغير منتشر"، تقول عائشة، التي صُدمت فيما بعد من اكتشافها أنها قد لا تستطيع الممارسة رغم اجتهادها في التدريبات والاستعداد.
لا يمنع القانون التحكيم النسائي في مباريات كرة القدم وكذلك اللوائح المنظمة لاتحاد كرة القدم المصري، ولكن العادات والتقاليد لها الصوت الرئيسي الأعلى هنا، فحتى إن كان هناك فرصة مواتية لدخول المحكمات في المجال، يبقى طريقهن في أسوان غير ممهد.
تقول عائشة: “ترتبط ممارسة التحكيم لكرة القدم هنا أن يكون أطراف اللعبة فرق نسائية، وهذا أصلًا غير شائع".
بحثًا عن العمل، شاركت عائشة في تحكيم مباريات للبراعم كبداية. تعلم أنها قد لا تستطيع الممارسة كما كانت تحلم، تضيف: “لا يوجد دعم مادي، فحتى إن احتجت لتدريب خارجي إضافي سيكون من مالي الخاص”.
دائرة مغلقة تدور في فلكها عائشة، فالعادات والتقاليد في أسوان لا تتدخل فقط في عدم اختيار المحكمات لإدارة مباريات كرة القدم للرجال، بل تدفع الفتيات أنفسهن ألا يقبلن على اختيار التحكيم في هذا المجال، فيصبحن أقلية. يوضح محمد علي رئيس لجنة الحكام باتحاد كرة القدم بمنطقة أسوان، لـ"عين الأسواني" أن السبب في ذلك الخوف من التعرض للانتقادات.
ويضيف: العمل في التحكيم بكرة القدم يتطلب أن تكون الفتاة من خريجي كلية التربية الرياضية، ويجب أن تكون مارست كرة القدم بأحد النوادي وفق لائحة الاتحاد، وبعد الانضمام لدورة إعداد المحكمين تشارك الفتاة في عدة تدريبات واختبارات.
يقول علي إن مع كل دورة تقام تشارك فتاة إو فتاتان، وفي النهاية لا يستكملن الإعداد للاختبارات، لأسباب مختلفة منها العادات والتقاليد التي تجعل الفتيات يخفن من التجربة وسلبياتها المتمثلة في التعرض للانتقادات، والخجل والخوف من النزول للملعب والجري، رغم أن فرصة الفتيات للالتحاق بالاتحاد أكبر من الرجال، لقلة عدد المتقدمات منهن.
ويضيف أن فكرة العمل في التحكيم الرياضي للفتيات مازالت غير شائعة، لعدم اعتيادنا على وجود محكمات، فتحمُّس الفتيات لخوض التجربة أقل، وخوفهن من عدم القدرة على تحمل ضغوطات التحكيم أكبر، ففي الدورة الحالية العدة لتعيين محكمين بكرة القدم سجلت فتاتان، واحدة اعتذرت والثانية رسبت في الاختبار البدني ولم تعد الاختبار حتى الآن،
يشير علي أن اتحاد كرة القدم بأسوان يتكون من 32 محكما رياضيا ولا يوجد بينهم محكمات إناث.
ولا تقتصر هذه التحديات أمام المحكمات في كرة القدم فقط، ففي كرة السلة لا يختلف الوضع كثيرًا.
ساعد ميادة عبد المجيد، رئيس لجنة الحكام باتحاد كرة السلة بمنطقة أسوان، لـ"عين الأسواني"، على ممارسة التحكيم بعد التخرج من كلية التربية الرياضية عام 2009، انتماؤها لأسرة رياضية، فعمل والدها كمحكم رياضي منحها خبرة ومعرفة مسبقة وثقة في العمل دون أي اعتراضات من العائلة.
تضيف: كانت التجربة غريبة على الآخرين، فهم لم يعتادوا أن تشارك الإناث في التحكيم، وتواجه أي محكمة تحديات لا يواجهها الرجال، فطوال الوقت هناك انتقادات واعتراضات مسبقة على أحكامنا، والمطالبة بتعيين غيرنا، بالإضافة إلى وضعنا أغلب الوقت كمحكمين طاولة وليس محكمين في الملعب الذي لا يمكننا من مراكمة الخبرة والترقي للتحكيم الدولي الذي يشترط خوض العديد من المباريات، وانتقاد حركتنا في الملعب، رغم أن المحكمين من الجنسين يتلقون نفس الدورات التدريبية التأهيلية!
منذ 2009 حتى الآن وصل عدد المحكمين النساء الأساسي إلى 10 محكمات من بين 35 مسجلين بمنطقة كرة السلة بأسوان، وحتى الآن تواجه المحكمات اعتراضات من الفرق لمجرد كونها امرأة.
تعلق ميادة قائلة: "القائمين على منظومة التحكيم نفسها يرى أنه حق مكتسب للرجال، ففي آخر اجتماع لنا في اللجنة، عرضت وضع تحكيم نسائي في إحدى المباريات، رد عليّ أحد أعضاء "ليه هي أسوان مفيهاش رجالة؟"، فالمحكمات يواجهن صعوبات في إقناع الأعضاء بإعطائهن مساحة للتحكيم.
تقول ميادة أن وجود كلية التربية الرياضية بأسوان يساعد الفتيات في التدريب، لكن يظل الأمر داخل أسوان، فأية فرص ترتبط بالسفر تصطدم بالمسافة أو التكاليف والأكثر من ذلك عدم سماح أغلب الأسر للفتيات المبيت خارج المنزل.
أما مها حشيش، فاختارت التحكيم في رياضة الكاراتيه. تقول لـ"عين الأسواني"، فحتى وإن كانت الاعتراضات على المحكمات في هذه الرياضة أقل، إلا أن النساء أيضًا يواجهن فيها تحديات خاصة بهن.
اتجها حشيش إلى التحكيم العام الماضي، بعد 20 عاما من كونها لاعبة، فبدأت عن طريق تلقي تدريبات ودورات من مالها الخاص، وبعد تخطي جميع الاختبارات بمحافظة قنا، أقرب مكان لمنطقتها مخصص للاختبارات، أصبحت محكمة درجة ثالثة.
تقول مها إن من شروط المحكم الرياضي في الكاراتيه أن يكون/ تكون حاصلا/ة على حزام أسود، وهناك العديد من اللاعبات يتركن اللعبة مبكرا لأسباب شخصية وعدم القدرة على التفرغ للرياضة، مشيرة إلى أن التحكيم يحتاج لممارسة ومتابعة.
دخول النساء حديثًا في تحكيم مباريات الكاراتيه جعلهن لا زلن متأخرات في التصنيف، بخلاف الرجال الذين وصلوا لمحكم افريقي وهي أعلى درجة تحكيم موجودة في أسوان، لأنهم سبقونا بسنوات من التجربة.