"فاطنة وفطنة وحلوة الحلوات، وأنا اللي بكتب قصتي بإيديا، ملكة وزينة ولو بدون دهبات، ولا ألف غول يقدر عليّا”.. هكذا يتغنى التراث النوبي بالعروس النوبية ليلة زفافها، فالأفراح النوبية يصاحبها العديد من العادات والتقاليد التي لا تًبلى مهما طال الزمن.
تتشابه مراسم الأفراح بين القبائل النوبية فيما يتعلق بكرم العائلات والتهادي بينهم، ولكنها قد تختلف في ملمح أساسي وهو كمية الذهب المقدمة للعروس، فيصبح وقتها لكل قبيلة قانونها الخاص، الذي يحاول التأقلم حاليًا مع الأزمة الأخيرة لارتفاع الأسعار.
“في الماضي، كان يقدّم العريس لعروسه غوايش وسلسلة وخاتم، ولكن تكتفي بعض العائلات حاليًا بتقديم خاتم الخطبة أو ما يسمى بالمحبس وخاتم ذهب"، هكذا قالت كريمة بكّار، ربة منزل، لـ"عين الأسواني"، مشيرة إلى أن عادات الأفراح أصبحت تختلف بحسب المستوى المادي لكل عائلة، فعلى سبيل المثال، يقدم العريس لعروسه الذهب في ليلة الزفاف أحيانًا، ولكن تختلف قيمته وفقًا لقدرة العريس المادية.
أوضحت كريمة أنه بجانب اختلاف قيمة الشبكة من عائلة لأخرى، تختلف مراسم الاحتفال أيضًا، فيوجد مراسم تُقام لأكثر من 3 أيام، وبالتالي تكون تكلفتها أكبر من أفراح اليوم الواحد، قائلة: “الأفراح الطويلة أصبحت مكلفة، فمن يملك ربع مليون جنيهًا، لن يستطيع الزواج حاليًا، ومن رأيي أن مشكلة ارتفاع تكلفة مراسم الزفاف ليست بسبب العائلات، بل بسبب العروس التي تريد إظهار فرحتها بشكل مبالغ فيه، فتضغط على أسرتها وأسرة العريس وتزيد من نفقات الفرح".
تفتخر النساء في جميع الأقاليم بكمية الذهب التي تمتلكها، وكلما زادت الكمية كلما زاد الفخر، فبجانب كون الذهب أحد أدوات الزينة الأساسية في الثقافة النوبية، يعد أيضًا أحد أساليب الاستثمار المضمونة خاصة مع مرور الوقت وارتفاع سعر الدولار مؤخرًا، والذي صاحبه زيادة في أسعار الذهب لم يشهدها السوق من قبل.
وصل سعر جرام الذهب عيار 21 خلال شهر فبراير الجاري إلى 1715 جنيهًا، في حين وصل سعر جرام الذهب عيار 18 إلى 1466 جنيهًا في نفس الشهر، وهذه الأسعار تتغير بشكل شبه يومي فهي مازالت غير مستقرة حتى الآن.
“تتزايد مشكلة الشبكة المبالغ فيها في القرى النوبية التي يعمل أبناؤها في بلاد الخليج وأمريكا"، هكذا أوضح بسام أحمد، أحد شباب النوبة، مشيرًا إلى أن الأمر يتحول في بعض الأحيان إلى مسابقة، فكل عائلة تتباهى بما تقدمه للعروس من ذهب، وتحاول المزايدة على الآخرين بكل ما أوتيت من مال.
كرسي جابر هو كرادنًا كبيرًا يغطي جسد من ترتديه، وهو من قطع الذهب الأساسية التي تفتخر بها العائلات عند تقديمها لعروس ابنهم برفقة عددًا من الغوايش والسلاسل، بالرغم من أنه غير عملي ولا تستطيع أي سيدة ارتداؤه والخروج به من المنزل خلال تعاملاتها اليومية.
يقول بسام: “كرسي جابر ليس من عاداتنا، فقديمًا كان يقدم العريس لعروسه شبكة بسيطة بغرض الزينة عبارة عن خاتم ودبلة، وعلاوة على ذلك، يقدم العريس للعروس أحيانًا عدة غوايش في حفل الزفاف، وإذا كان العريس والعروس أقارب، فيكون تقديم الذهب في أضيق الحدود، ولكن ما يحدث حاليًا هو مغالاة لن تستطيع كل الأسر مجاراتها".
تتواصل عددًا من الجمعيات مع بعض الأسر النوبية لتحاول إقناعهم بالحد من تكاليف الزواج خاصة في ظل ارتفاع الأسعار المستمر، فعلى سبيل المثال، عقدت جمعية تنمية المجتمع بالكرور بحري اجتماعًا مع رجال القرى، لوضع شروطًا تقلل من تكاليف الزواج، وكان محور الاجتماع هو تحديد تكاليف الشبكة المقدمة للعروس.
طلبت الجمعية أن تقتصر الشبكة على دبلة ومحبس، وأن يذهب لشراءها فردان فقط من كل عائلة ويتم ارتداءها داخل محل الصائغ، بدلًا من تحمل تكاليف إضافية لإقامة مراسم خاصة ليشاهد أهل الحي العروس وهي ترتدي الشبكة.
لا يقتصر تقديم الذهب كهدايا بين العائلات على حفلات الزفاف فقط، بل وصل الأمر إلى تبادل العائلات للذهب كهدايا في الأعياد مثل عيد الأم، وعن ذلك يقول مصطفى يسري، أحد أعضاء اللجنة المسئولة عن توعية المجتمع الأسواني بالحد من تكاليف الزواج: “ناقشنا مع الفتيات فكرة عدم تقديم الذهب كهدية في عيد الأم وللأسف لم توافق الأسر على ذلك، ولكن تغير الأمر حاليًا فبعد ارتفاع الأسعار وافق الجميع على تقليل التكاليف".
وأضاف: "اتفقنا مع الأهالي على أن من يريد الزواج من خارج قريتنا، عليه اتباع التقاليد الجديدة، وإذا أراد المغالاة ينفذها في قريته، وسنشارك هذه الفكرة مع الاتحاد النوبي بأسوان، لكي يساعدنا على نشر الحلول لمشكلة بذخ الزواج، مع محاولة إقناع القرى الأخرى بالالتزام بتقليل التكاليف، فوصل الأمر ببعض الأسر للحصول على قرض مالي فقط للإنفاق على مراسم الزواج، فيتزوج أبنائهم وينجبون ويلتحق الأحفاد بالمدارس، ومازالت الأهالي تدفع أقساط قروض حفل الزفاف".
ترى سميحة عوض، إحدى السيدات التي شهدت قريتها الاجتماعات التي تحث على تقليل تكاليف الزواج، أن اختيار الرجل المناسب للزواج أهم من اختيار الذهب، مشيرة إلى أن البذخ والمزايدة في حفلات الزفاف ظهرت مؤخرًا في المجتمع الأسواني لأنها من أفكار الجيل الجديد، ضاربة مثال بتبادل الأجهزة الكهربائية كهدايا بين العائلات، فهو تقليد لم يكن موجودًا من قبل.
"اجتمع أهل القرية وقرروا وقف تبادل الهدايا بين عائلات الزوجين، بالإضافة إلى تحديد سعر الطعام المقدم لضيوف حفل الزفاف، وتحديد سعر المهر 15 ألف جنيهًا فقط، كما حددوا أيضًا تكاليف فستان الزفاف وصالون التجميل، حيث أن أقل صالون تجميل في أسوان لا تقل تكلفة تجهيز العروس فيه عن 7 آلاف جنيهًا"، هكذا قالت سميحة، مشيرة إلى أن المشكلة تكمن في تغيير عقلية السيدات الأسوانيات، فقديمًا كانت السيدات لا تنظر لغيرها وتحاول المزايدة عليه مثلما حدث في السنوات الماضية، ليرث هذه العادة القبيحة جيلًا بعد جيل.