مقاطعة المطاعم والأكل "الشِرك".. حيلة الطلاب المغتربين لمواجهة الغلاء

تصوير: صورة تعبيرية

كتب/ت أمنية حسن
2023-02-06 00:00:00

استيقظت ندى مغازي في الصباح الباكر، لتحضر حقيبة، وضعت فيها ملابسها، كُتبها الدراسية، وأهم الملخصات، ثم أحضرت حقيبة أخرى، لتضع فيها زجاجة زيت، وبعض أكياس من الأرز والسكر.

تقول ندى، الطالبة في كلية التربية جامعة أسوان، إن إحضار السلع الغذائية الأساسية من منزلها لاستخدامه في السكن الجامعي الذي تقطن فيه فترة الدراسة، بات حال أغلب الطلاب المغتربين عن محافظاتهم، وذلك بعد الارتفاع المتسارع للأسعار في الشهور الأخيرة بما لا يتناسب مع ثبات مصادر دخلهم الرئيسي تقريبًا.

تضيف: "ليس لدينا خيارات متاحة، مضطرون للتكيف مع الوضع حتى لا نحمّل أسرنا ما لا طاقة لهم بهم".

منذ بداية التحاق ندى بالجامعة العام الماضي، اتفقت مع زميلاتها في السكن على تقسيم ميزانية الطعام، توفيرًا للنفقات، ولكى يدوم استخدام السلع لفترة أطول، مما جعلها تحصل على سلع متنوعة، بعدما جلبت كل فتاة من مدينتها، عدة أصناف من الطعام، الأمر الذي وفرّ أيضًا مصاريف السفر، حيث تمكث كل فتاة فترة أطول في السكن، دون الحاجة إلى العودة إلى مدينتها، لشراء المزيد من السلع التموينية بأسعار رخيصة.

إنفوجراف

كما الجميع، واجهت ندى وزميلاتها أزمة ارتفاع الأسعار، فكيس الخبز الذي كانت تشتريه بسعر 5 جنيهات، لتأكل منه هي وزميلاتها 10 أرغفة، أصبح يحتوى على 8 أرغفة فقط، وبحجم أصغر مما كان عليه في العام الماضي.

تقول "ندى" لـ"عين الأسواني": "أصبحنا لا نعتمد في طعامنا على تناول المكرونة، الأرز، واللحوم يوميًا، ولا نأكلهم بكميات كبيرة، لأن أي زيادة في كميات الطعام، ستؤثر على ميزانية بقية الأيام سلبًا، وقد اتفقنا أنا وزميلاتي على توجيه إنفاقنا إلى شراء كماليات طبخ الطعام، وعند الضرورة فقط".

وأضافت: "تدعمنا أسرنا لملاحقة أحلامنا واستكمال دراستنا، ولذلك نقتصد مراعاة لظروفهم المادية، فأنا وزميلاتي نشعر بالضغط لنحافظ على ميزانيتنا كما هي، بالرغم من الغلاء، فخصصنا 100 جنيهًا للإنفاق على الطعام، لتوفيره لكل منّا لمدة 3 أسابيع، وقررنا شراء السلع منخفضة السعر، والابتعاد عن الأنواع الأغلى، مع الاعتماد على جلب السلع التموينية الرئيسية من المنزل".

لا تشتري ندى وزميلاتها الوجبات الجاهزة من المطاعم إلا نادرًا، لأن المبلغ الذي سينفقنه ثمنًا للوجبات في اليوم الواحد، يمكن أن يكفيهن لمدة 3 أيام كاملة، فهن يستهلكن زجاجة زيت، وكيس أرز أسبوعيًا، بجانب مكونات الطعام الإضافية، مثل الخضروات.

تدفع الفتيات أيضًا مصاريف إيجار السكن، 500 جنيه شهريًا، ولكنهن يوفرن مصروفات المواصلات، لأن السكن قريبًا من الكلية، على عكس المكوث في المدينة الجامعية، التي تبلغ مصروفاتها 350 جنيهًا شهريًا فقط، ولكنها بعيدة عن الكلية، فتضطر الفتيات إلى دفع مصاريف المواصلات يوميًا.

لا تعاني ندى وحدها، من أزمة توفير نفقات الطعام خلال فترة اغترابها للدراسة، فيشاركها في ذلك العديد من الطلبة، منهم ندى حسيب، الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية الصيدلة، بجامعة جنوب الوادي في قنا، فهي تسافر من محافظتها أسوان، حاملة معها 800 جنيهًا شهريًا، هم ميزانيتها لتدبير أمور الطعام، إلى حين عودتها لأسوان مرة أخرى.

تقول ندى: "أُحضر الأرز، السكر، والزيت معي من المنزل، نظرًا لارتفاع أسعارهم، وأخصص ميزانيتي للصرف على بقية السلع الغذائية والخبز، فقد اعتدت على أزمات ارتفاع الأسعار، التي رافقتني خلال سنوات دراستي الماضية، وتعلمت عدم إنفاق المال إلا من أجل شراء الضروريات فقط، وبالتالي الاستغناء عن شراء الوجبات الجاهزة والتسالي نهائيًا، فذلك يتيح لي شراء ما أحتاجه من سلع أساسية بنفس الكميات، دون التأثر بأزمة الغلاء".

بالرغم من الاقتطاعات التي تقتطعها "ندى" من الميزانية، إلا أنها أصبحت تنفق زيادة عنها مؤخرًا، خاصة بعدما اضطرت إلى تخصيص ميزانية منفصلة لشراء المياة المعدنية، لأن المياة في المدينة الجامعية غير صالحة للشرب.

تشتري حسيب كرتونة مياه معدنية أسبوعيًا، يبلغ سعرها 55 جنيهًا، بعدما كان يتجاوز سعرها بالكاد الأربعين جنيهًا منذ عدة أسابيع فقط، كما تنفق 100 جنيهًا شهريًا لطباعة الملخصات، التي تعتمد عليها في مذاكرتها، هذا بجانب توفير إيجار السكن.

كمحاولة للحد من ارتفاع الأسعار، تعلن الصفحة الرسمية لمحافظة أسوان على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك عن إقامة معرضًا للسلع الغذائية، بأسعار مناسبة، بجانب تنظيم جولات مفاجئة من المسئولين، لزيارة المتاجر والمخابز، والتأكد من بيع السلع بسعرها المحدد لها، إلا أنها لا زالت تمثل ارتفاعًا على ميزانيات الطلاب على حد قولهم.

لا تختلف الأوضاع الاقتصادية بين المغتربات من الفتيات، والمغتربين الرجال، فيضطر عبد الرحمن جعفر، الطالب بالفرقة الثانية بالمعهد الفني الصناعي بالأقصر، إلى التجول بين العديد من منافذ البيع لشراء احتياجاته من الطعام، لأنه يعلم جيدًا، أن الأسعار تختلف من منفذ إلى آخر، وإن كانوا في نفس المدينة.

يقول جعفر: "تقوم المحال التجارية القريبة من المعهد رفع أسعار منتجاتها، لأن الموسم الدراسي بالنسبة لهم هو موسم البيع، ولذلك يختلف سعر السلع من منطقة لأخرى، فأنا أنفق من 50 إلى 60 جنيهًا في اليوم الواحد، لأنني أعيش في منطقة ترفع الأسعار باستمرار، ولكن ربما يختلف هذا المبلغ في مكان آخر".

يحاول جعفر الحد من نفقات ميزانيته، التي تبلغ 2000 جنيه شهريًا، وذلك عن طريق مشاركة زملاؤه الطعام، وشراء السلع الأساسية من قريته، قبل سفره إلى الأقصر، مشيرًا إلى أن الأسعار تضاعفت، فرغيف الخبز الذي كان يشتريه بنصف جنيه سابقًا، أصبح سعره الآن جنيهًا وأكثر، بينما قد يصل سعر الـ15 رغيف في أماكن أخرى، إلى 20 جنيهًا، وهو المبلغ الذي يحاول أن يشتري به الكمية الكاملة للطعام الذي يحتاجه يوميًا.

ولا تختلف قصة مصطفى السيد، الطالب بالفرقة الثانية بالمعهد الفني التجاري بأسوان كثيرًا، فهو يشتري كل شيء، حتى الخبز، من محافظته الأقصر، قبل أن يسافر إلى أسوان التي يصل سعر رغيف الخبز فيها إلى 75 قرشًا، وذلك لأن ميزانيته المخصصة للطعام محدودة، فهي تتراوح بين 700 إلى 800 جنيهًا فقط في الشهر.

"السلع التي كانت تكفي لاستخدام شهر، أصبحت تكفي لاستخدام 20 يومًا فقط، ولذلك يوجد دائمًا عجز في ميزانية الطعام، ولا أستطيع الإنفاق من ميزانية الإيجار، أو ورق المذكرات، فهما من الأولويات، ولذلك قررت تقليل كميات الطعام، وعدم شراء الوجبات الجاهزة من المطاعم"، هذا ما قاله "مصطفى"، مشيرًا إلى أنه لجأ إلى حل آخر، وهو مشاركة الطعام مع زملاؤه في السكن، لأنه يجعل السلع متوفرة لوقت أطول.