منذ طفولتها، تستمع نوال محمود بشغف لإذاعة القرآن الكريم، تحديدًا صوت المذيعة هاجر سعد الدين، بالإضافة إلى برامج إذاعية شهيرة مثل "وقال الفيلسوف" لفاروق شوشة، و"كلمتين وبس" لفؤاد المهندس، كما تستمتع بالمسلسلات الإذاعية مثل "ألف ليلة وليلة" و"ساعة لقلبك".
لم تعلم نوال أن عشقها للإذاعة سيقودها لأن تصنع أول بودكاست موجه للمرأة الأسوانية، ويرجع الفضل في ذلك إلى والدها الذي كان دائم الاستماع للراديو في المنزل، حيث كان يُفضل الاستماع إليه عن التلفاز.
لا تزال نوال تتذكر بداية يومها مع إذاعة القرآن الكريم، وصوت الشيوخ مثل الطبلاوي وعبد الباسط عبد الصمد، هذا الشغف دفعها للالتحاق بورش عمل متخصصة في صناعة البودكاست والهندسة الصوتية وكتابة المحتوى، لتطوير مهاراتها في هذا المجال الذي يعتبر جزءًا من ثقافتها وذكرياتها، حتى وصلت إلى تقديم ورش وتدريبات للمرأة الأسوانية في صناعة البودكاست.
تقول نوال، صانعة أفلام ومنتجة بودكاست "نيباتيا"، إن الهدف من مبادرتها، هو تقديم تدريبات في مجال البودكاست، كونه لا يزال غير منتشر في أسوان، أو في الصعيد بشكل عام.
مُضيفة في حديثها "ولذلك نعتبر أنفسنا أول بودكاست في أسوان، ونسعى لتطوير قدرات الفتيات وتعليمهن كيفية صناعة البودكاست، خاصة أن هذه المهارات غير متوفرة بكثرة، فيجب تمكين الفتيات من فهم وتحليل الأفلام بشكل احترافي".
انطلقت فكرة المبادرة فعليًا في ديسمبر 2023، بحسب نورا، إذ أُطلقت أولى حلقات "بودكاست نيباتيا"، وبدأت الرحلة بتقديم تدريبات متخصصة في صناعة البودكاست والهندسة الصوتية، وكتابة نصوص نقدية للأفلام، كما نظّمت مراجعات ولقاءات عبر تطبيق "زووم" لتعديل نصوص المُشاركات الخاصة بالأفلام.
بعد ذلك خضعت الفتيات لبروفات مكثفة لاختيار الألوان الصوتية المناسبة لكل منهن، ثم بدأ تسجيل مشروعات تخرجهن في استوديو احترافي، وموّل الورش ومشروع التخرج برنامج "خارج حدود العاصمة"، التابع لمعهد جوتة الألماني بالقاهرة، واستغرق المشروع نحو ثمانية أشهر.
تقول نوال: "تدربت على البودكاست من خلال ورش في القاهرة وبعض الورش عبر الإنترنت خلال عام 2023"، ومن هنا فكرت في إنتاج بودكاست "نيباتيا" لفتيات الصعيد بسبب إدراكها أن تعلم البودكاست صعبًا بالنسبة للفتيات، نظرًا للقيود على سفرهن، لذا استهدفت صاحبة "نيباتيا" الفتيات فقط في المبادرة، وفضلت أن تكون الورش عبر الإنترنت لتسهيل المشاركة من القرى والمراكز في أسوان.
واستهدفت في البداية حوالي 15 فتاة، لكن العدد زاد بسبب الإقبال الكبير، إذ بلغ عدد المتقدمات 70، واختير نحو 18 فتاة، حتى تقلّص إلى 11 فتاة وسيدة راعت من خلالهن التنوع الجغرافي والفئة العمرية.
تؤكد نوال أن البودكاست لم يكن مُكلفًا، لكن المشاركات فضّلن التسجيل في استوديو خاص لضمان جودة الصوت، بعدها بُثّت الحلقات عبر منصات مثل بوديو وسبوتيفاي، مع تعليم الفتيات كيفية التسجيل والتحرير والمونتاج.
واجهت بعض الفتيات صعوبات في التسجيل بسبب الخوف من التجربة الجديدة، كما تذكر نوال، لكن مع البروفات المتكررة، تمكنّ من كسر حاجز الرهبة، مُضيفة "معظم الفتيات لم يكن لديهن خبرة سابقة في الفن والأفلام، لكنهن أبدعن في اختيارها بعد التدريب، كذلك نجحن في سرد تجاربهن الشخصية".
تقول مها حامد، إحدى الخريجات، إن حبها للمجال الصوتي والدوبلاج كان الدافع الرئيسي لمشاركتها في بودكاست "نيباتيا"، فيما تصف تجربتها بأنها كانت جميلة للغاية، إذ شعرت بسعادة كبيرة وهي تقف أمام المايكروفون.
وتضيف مها قائلة: "التدخلات الموسيقية وعملية المونتاج أحدثت تغييرًا كبيرًا في جودة البودكاست، مما ساعدنا كفتيات على التعبير عن مشاعرنا وأصواتنا بطريقة عفوية، والآن أصبح أملي هو خوض هذه التجربة مرة أخرى".
شاركت أيضًا أروى عبد العزيز التي شاركت بسبب حبها للكتابة، فتذكر قائلة إنها كتبت نصًا لفيلم عن الصعيد في ورشة سرد بقيادة مريم نعوم، كما تعاونت في كتابة قصص مع شادي عاطف.
وأشارت أروى إلى شغفها الكبير بالبودكاست، إذ تستمع إلى منصات مثل "فنجان" و"مربع" و"قل ولا تقل" و"خير جليس" و"أشياء غريبة"، فيما تعتبر الاستماع إلى البودكاست جزءًا أساسيًا من حياتها اليومية حول موضوعات متنوعة تشمل الفن والاجتماع والعلاقات والدين والسياسة.
وحول صعوبات المشاركة أكدت أروى أنها لم تواجه أي منها، نظرًا لحبها للمجال، لكنها قابلت بعض التحديات التقنية المتعلقة بالتسجيل، وفي النهاية نسيت كل العقبات مقابل الفرحة التي شعرت بها في أثناء كتابة حلقتها الخاصة، التي تناولت فيها حياة ومسيرة المخرج العظيم عاطف الطيب، وعلاقاته بالمخرجين والممثلين، والموسيقى التصويرية في أفلامه.