نظام البكالوريا الجديد.. تغيير مفاجئ و"تمييز مادي" بين الطلاب

تصوير: الصورة من صفحة مجلس الوزراء - اجتماع مجلس الوزراء بالأمس

كتب/ت رفيدة أشرف
2025-01-09 15:48:58

بين مؤيد ومعارض، اختلفت الآراء حول عودة نظام "البكالوريا" بديلًا عن الثانوية العامة، الذي أعلن عنه محمد عبداللطيف، وزير التربية والتعليم، أمس الأربعاء، في اجتماع مجلس الوزراء بحضور الدكتور مصطفى مدبولي.

وأعلن الوزير أن هناك موافقة مبدئية على المقترح، على أن تشكل لجنة من المجموعة الوزارية للتنمية البشرية؛ لمناقشة آليات تنفيذ النظام، وإعداد صيغة نهائية سيتم عرضها في حوار مجتمعي قبل بدء التطبيق الفعلي خلال العام المقبل.

ما هو نظام البكالوريا؟

السؤال الأول الذي تبادر للأذهان فور إعلان القرار، ووفق وزارة التربية والتعليم تستند فلسفة نظام البكالوريا على تعزيز مهارات التفكير النقدي والتحليلي لدى الطلاب بدلًا من التركيز على الحفظ والتلقين. 

ويعتمد النظام على دمج المواد العلمية والأدبية والفنية في إطار تعليمي شامل، ففي الصف الأول الثانوي، سيدرس الطلاب 7 مواد أساسية، وهي التربية الدينية، اللغة العربية، اللغة الأجنبية الأولى، الرياضيات، العلوم المتكاملة، الفلسفة والمنطق، والتاريخ. 

أما في الصف الثاني الثانوي، يدرس الطلاب 4 مواد أساسية، وهي اللغة العربية، اللغة الأجنبية الأولى، والتاريخ، ثم يختار الطالب في مسار الطب وعلوم الحياة بين مادة الرياضيات أو الفيزياء، وفي مسار الهندسة وعلوم الحاسب يختار بين الكيمياء والبرمجة، وفي مسار الأعمال يختار إما المحاسبة أو إدارة الأعمال، وفي مسار الآداب والفنون يختار بين علم النفس أو اللغة الأجنبية الثانية.

لكن اللغط الدائر الآن هو جدوى العودة إلى ذلك النظام غير الجديد، فضلًا عن أن الدراسة في الصف الأول أصبحت تمهيدية (نقل)، والصف الثاني والثالث يشكلان المرحلة الرئيسية (شهادة)، بعدما كانت أهمية الثانوية العامة تقتصر على الصف الثالث فقط، إلى جانب العودة إلى نظام التحسين، الذي اعتبره البعض تمييزًا ماديًا بين الطلاب، حيث يتيح للمقتدرين ماديًا في المرحلة الأساسية أحقية دخول الامتحان مرتين سنويًا مقابل 500 جنيه لكل مادة.

طلاب: "نحتاج الاعتماد على الفهم"

رأى بعض الطلاب في ذلك النظام فرصة ثانية، إذ يمكن للطالب تعويض الدرجات المنخفضة التي يحصل عليها في الصف الثاني خلال الصف الثالث، مما يتيح لهم فرصة لتحسين مستواهم قبل الحصول على الشهادة النهائية، منهم سارة السيد، طالبة بالصف الثالث الإعدادي حاليًا، والتي سيطبق عليها نظام "البكالوريا" العام المقبل في حال اعتماده من الوزارة.

وتوضح لـ"أهل سوهاج": "فكرة أن نظام البكالوريا يعتمد على المهارات الفكرية والنقدية بدلًا من الحفظ والتلقين تبدو مشجعة، لا سيما أننا نعاني من فكرة الحفظ، كما أن تقسيم المواد على عامين واعتماد التقييم المستمر يسهم في تقليل الضغط على الطالب رغم التحديات الأولى التي ستواجهنا".

تقول سارة التي تقطن بمحافظة سوهاج: "أعتقد أن نظام البكالوريا يعتمد على توزيع الجهد على مدار العام، بدلًا من النظام الحالي الضاغط، كما يتيح للطالب حق اختيار المواد، ولكن لا بد من تدريب المعلمين بشكل جيد على النظام، وعدم فرض رسوم للإعادة، قد يكون هناك طلاب يرغبون في الإعادة لكن القدرة المادية تشكل عائقًا أمامهم".

يسمح نظام البكالوريا وفق إعلان التعليم، بإعادة الطالب للامتحان، ولكن يجب دخول الامتحان للمرة الأولى في العام الدراسي المحدد دون تقديم أو تأخير، بينما يسمح بإعادة الامتحان بعد ذلك في أي عام دراسي كما كان يُعرف سابقًا باسم "نظام التحسين" ولكن برسم تقدر بـ500 جنيه.

نظام التحسين في البكالوريا: تمييز مادي

ويرى الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بكلية التربية في جامعة عين شمس، أن أهم ما يميز عودة البكالوريا هو نظام "التحسين"، مبينًا أنه نظام يحقق العدالة للطلاب وأحقيتهم في فرصة ثانية لأداء الامتحانات، ولكنه يغفل أن رسوم الإعادة قد تكون مرتفعة على البعض، مما يشكل تمييزًا ماديًا.

ويقول لـ"أهل سوهاج": "نظام البكالوريا يتمتع بعدد من المميزات، أبرزها تنمية المهارات الفكرية والنقدية للطلاب، مما يسهم في تربية جيل قادر على التفكير النقدي والتحليل"، مشيرًا إلى أن تنويع التخصصات في المواد العلمية والأدبية يتماشى مع احتياجات الكليات الجامعية والبرامج التعليمية، بالإضافة إلى تطبيق التقييم المستمر وتقسيم المواد على عامين، مما يساعد على تحقيق الإتقان الكامل لهذه المواد.

وأوضح لـ"أهل سوهاج"، أن هذا التطوير يقلل من توتر الطلاب وأولياء الأمور من أن الثانوية العامة هي فرصة واحدة ولا توجد طريقة للتعويض، مضيفًا: "الخطأ يكمن في أن كلما يتعود الطلاب على نظام للثانوية العامة ويألفوه يتغير وربما لا يندمجون مع كثرة التغييرات".

تغيرات نظام الثانوية العامة 

وبالفعل شهد نظام الثانوية العامة في مصر منذ عام 2016 وحتى الآن العديد من التغيرات، ففي العام 2016 طبقت التعليم نظام "البوكليت" في امتحانات الثانوية العامة، الذي جمع بين ورقة الأسئلة والإجابة في كراسة واحدة.

وخلال العام الدراسي 2017 بدأ تطبيق نظام التعليم التكاملي الذي يهدف إلى تعزيز التفكير النقدي وربط المواد الدراسية ببعضها البعض، كما شهدت المناهج الدراسية بالمرحلة الثانوية تحديثًا في العام 2018 لتواكب المعايير العالمية.

ومع بداية العام 2019، دخلت التكنولوجيا في التعليم بشكل قوي، حيث زودت مدارس الثانوية العامة بالتابلت والأجهزة الحديثة، بالإضافة إلى منصات إلكترونية تتيح التعلم عن بُعد، وفي 2023 طُبق نظام الثانوية العامة الجديد الذي يعتمد على التقييم المستمر. 

طلاب: "نتشتت من كثرة التغيرات"

تؤثر تلك التغيرات على شاهندة حمدي، طالبة بالصف الثالث الإعدادي بمحافظة سوهاج، التي تتابع منذ دخولها المرحلة الإعدادية عن كثب تغيرات الثانوية العامة: "كلما اعتمدوا نظام وفهمته جيدًا واستعددتُ له يتغير بعد فترة؛ لأن النظام الحالي يعتبر مستقر حتى رغم الأزمات، إلا أن التغيير المفاجئ يشعرني بالارتباك".

وتعتقد أن النظام الجديد قد يسبب بعض الارتباك للطلاب الجدد: "التقييم المستمر يسبب لنا نوعًا من التوتر، بالإضافة إلى أن اختيار المواد قد يكون مُحيرًا للطالب الذي لا يزال غير مستقر ولا يعرف ميوله بشكل واضح".

تضيف: "تعتمد التجربة الحالية على الامتحان النهائي، الذي يمكنني التركيز عليه بشكل مكثف لفترة معينة ثم الانتهاء منه، أما في النظام الجديد، سأحتاج إلى الحفاظ على المستوى الدراسي طوال العام، وهو ما قد يكون مرهقًا نفسيًا وجسديًا، خصوصًا إذا لم تكن البيئة التعليمية مجهزة بشكل كامل".

تتفق معها فرحة ياسر، طالبة في الصف الأول الثانوي بمدرسة قدري المشنب بسوهاج، إذ ترى أن قرار تطبيق البكالوريا جاء بشكل مفاجئ وبدون تحضير للطلاب، مشيرة إلى أن أول دفعة ستخوض تجربة هذا النظام الجديد ستكون الأكثر تعرضًا للصعوبات.

تضيف: "أي قرار يتضمن تغييرًا جذريًا مثل هذا، فإن أول دفعة تتعامل معه ستكون أكثر دفعة تتعرض للظلم، لأنهم سيكونون بمثابة تجربة للقرار فقط، مثلما حدث معنا خلال السنوات الماضية، كنا مشتتين من أنظمة الثانوية العامة المتغيرة".

عيوب نظام البكالوريا

جانب آخر للأزمة يوضحه الدكتور محمد عبدالعزيز، أستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس، وهو أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الاسم، سواء كان "بكالوريا أو توجيهية"، بل في غياب الإطار العام والنوعي للمرحلة الثانوية.

ويرى أن طرح النظام الجديد تم دون دراسة متأنية أو مراجعة للمعايير الحاكمة للبناء المعرفي للطلاب، خاصة في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، مبينًا أن من عيوب النظام إدراج مقرر العلوم المتكاملة، الذي يفتقر إلى المعايير العالمية للعلوم، مما أفقد الطلاب الأساسيات في الفيزياء والكيمياء والأحياء، وأضعف قدراتهم، خاصة الراغبين في التخصص العلمي.

كما ينتقد الدكتور محمد عبدالعزيز، تهميش اللغة الأجنبية الثانية والبرمجة، إلى جانب عدم وضوح آلية توزيع المواد الأساسية وعدم قدرة الطلاب على الاختيار في هذه المرحلة العمرية، مبينًا أن هذا النهج سيضعف البناء المعرفي للطلاب.

في ظل شعور الطلاب بالقلق والترقب إزاء النظام الجديد ورغم أهمية التحديثات المقترحة، يبقى هناك العديد من التحديات التي يجب التعامل معها مثل تهميش بعض المواد الأساسية وعدم وضوح آلية اختيار المواد قبل تطبيق النظام.