أن تولد طفل توأم ليس أمرًا سهلًا، فمنذ لحظاتنا الأولى كانت حياتي مقسومة بيني وبين نصف آخر يحمل وجهًا يشبهني، أو هذا ما قيل عنّا؛ لأنني أرانا غير متشابهين، كانت رفيقة رحلتي خلال سنين حياتي، هل كان هذا الأمر إيجابيًا أم سلبيًا!
عندما كنت صغيرًا كانت تتبعنا دومًا نظرات الناس خلال سيري برفقة أمي وأختي، تعلو وجوههم الابتسامة، هامسين لبعضهم قائلين: توأم، في البداية كانت مشكلتي مع عائلتي وأقاربي. كان أقاربنا دائمًا ما يخلطون بيني وبين أختي، وتعودنا بمرور الوقت أنه في حالة ما إذا سمعنا اسم إحدانا، نذهب دون أن نبرر، ما إذا كان هذا اسمنا الحقيقي أم لا.
ومع التحاقنا بالمدرسة الابتدائية أصبح الأمر على نطاق أوسع، فأصبحت المعلمات وزملائي في المدرسة يخلطون بيننا، وعاملتنا المُعلّمات بطريقة مميزة لأننا توأم، بل بالإضافة إلى أنهم كانوا يتعمّدون إظهارنا سويًا في الإذاعة المدرسية لإلقاء كلمة حتى ننشر جوًا من المتعة.
في الصف الأول الابتدائي كانت زميلاتنا في المدرسة دائما ما يسألوننا أسئلة غريبة، كنا ننظر لهم بنظرات غريبة كونها أسئلة غير منطقية؛ مثل هل استيقظت في يوم نظرت لنفسك في المرآة مُعتقدًا أنك أختك؟ أو هل تظنين أنه من الممكن أن تكون أسماؤكم الأصلية عكس أسمائكم الحالية، ولكن خلط والدكم بين أسمائكم؟
بعد ذلك في الصف الرابع الابتدائي كانت أول مرة نتفرق، في البداية لم نتأقلم على هذا الأمر، فقد اعتدنا أن يكون لنا نفس المدرسين ونفس المواد، ونفس الطابور الذي نقف فيه. أختي هي رفيقتي في كل شيء، كانت تغنيني عن جميع صديقاتي، مما جعلني لا أتعلق بأية صديقة، لذا كانت تلك التفرقة مؤثرة علينا كثيرًا، بالرغم من محاولة والدي لنقلنا إلى صف واحد، إلا أن الأمر لم ينجح.
كان من بين الأسئلة التي طرحها علينا زملائنا أيضًا، سؤال عجيب، وهي هل تتحولون إلى قطط في الليل؟ كان السؤال يثير سخريتنا، إلا أنه فيما بعد عرفت أنها بدعة اختلقها الناس، قائلين إن التوأم المتشابه تحديدًا يتحول في الليل إلى قطط مقطوعة الذيل ويتحركون في الشوارع، وإذا ما أصيبت إحدى القطط عند تجولهم يموتون في الواقع.
أظهرت دراسة أجراها “تومس بوشارد”، أستاذ علم النفس بجامعة مينيسوتا الأمريكية، أن التوائم المتطابقين قد يشتركون في سمات النفسية وشخصية متقاربة إلى حدٍ كبير، حتى لو نشأوا في بيئات منفصلة، وتُعرف هذه الدراسات بدراسة "التوأم المنفصلين"، وقد أظهرت نتائجها تشابهاً لافتاً بين التوائم المتطابقين في التفضيلات والسلوكيات وحتى الإنجازات.
فهل حقا هذا ما يحدث معنا؟
بالرغم من كوني أنا وأختي مختلفان كثيرًا في شخصياتنا وأهدافنا، بل وكنا متناقضين فقد كانت ميولنا مختلفة، إلا أنهم كانوا يروننا متشابهين في كل شيء، كان من اللطيف أن يكون لي أخت توأم تشاركني الألعاب والدراسة بكافة تفاصيلها، ولا أنكر أننا كنا نتشابه في حبنا للقراءة.
كنا أيضًا نتحدث مع بعضنا في نفس ذات الوقت أحيانًا، ونفكر بنفس الطريقة، لكن كما كانت توجد أشياء إيجابية، وُجدت أيضًا بعض التفاصيل السلبية، وهذا ما أثبتته الدراسات التي قامت بها جوديث دون عالمة نفس ومؤلفة معروفة في مجالات علم النفس التنموي وعلم نفس الطفل، وكاثرين كندريك عالمة نفس ومؤلفة تعمل بشكل أساسي في مجالات علم النفس الاجتماعي وعلم نفس الطفل، إذ أشارت الدراسات أن التوأم على الأغلب ما يُكوّنا روابط قوية جدًا مع بعضهم البعض، وقد يتشاركون في سلوكيات معينة أو طرق تعبير متشابهة، مما يؤدي للتفاهم الفوري بينهما.
وفي الحقيقة بدأت ألاحظ هذه الأشياء عند دخول مرحلة الإعدادي بالتحديد، فقد كانت جملة: “انتوا الاتنين واحد” أثرت على كل شيء، بدءًا من المسابقات التي تشاركنا فيها، وعلى الرغم من تفوقنا على جميع الحاضرين، وتعادلنا في الأداء، إلا أنهم كانوا يختارون إحدانا، لتُمثل مركزًا متقدمًا عن الأخرى، قائلين: “ناخد واحدة منكم عشان ندي فرصة لغيركم يكسب، وانتم الاتنين واحد”.
دائمًا ما كان يدور في ذهني ماذا إن لم نكن توأم أصلًا، فأنا لا أرى ذلك، بل دائمًا ما كنت أرى أختي الصغرى، فبالرغم من أن الفارق بيننا خمس دقائق، إلا أنني كنت أعاملها معاملة أختي الصغرى، وهي أيضًا كانت تراني كشقيقة كبرى.
وكان دومًا ما ينعكس سلوك إحدانا على الأخرى، فإن كانت إحدانا تعاني من قلة الثقة بالنفس، تصبح الأخرى من وجهة نظر الناس مثلها تمامًا، دون أن يقيموها بعيدًا عن أختها، وإن بكت إحدانا تصبح الأخرى شبيهة لها أيضًا في الطباع.
وهذا ما أشارت له إحدى الدراسات التي قامت بها سارة أ باتريل، عالمة نفس وباحثة في علم النفس التطبيقي وعلم الوراثة والسلوك، وروبرت بلوم عالم وراثة سلوكية وباحث معروف في مجال علم النفس التنموي، ففي الدراسة المنشورة عام ١٩٩٧ ذكرا فيها أن التوائم يمكن أن يواجهوا تحديات فريدة في تشكيل هويتهم الخاصة، بسبب تداخل هويتهم عند الناس، وتشير بعض الدراسات الأخرى إلى أن التوائم قد يسعون بشكل أكبر لتحديد هويتهم الفردية، خصوصًا في مراحل معينة في حياتهم.
وكان هذا التشابه أحيانًا يشعرني بالضيق، خاصة عندما يخلط المقربون منا بيننا،ولكن الصدمة الحقيقة كانت حينما يخلط أبي بيننا، وكان مبرره في ذلك تشابهنا التام، أتذكر أنه كان يقول لنا أنه لم يكن يفرقنا حتى ظهرت علامة الحسنة لأختي في الصف الثالث الإبتدائي.
وعند دخول المرحلة الثانوية اختلف الأمر من وجهة نظري تمامًا، وأصبحت أحب كوني توأمًا كثيرًا، فأحيانًا ما يقابلني أحد الأصدقاء والمعارف الذين يعرفون أختي، ولا يدرون أن لديها أخت توأم، ويُسلّمون علي مُعتقدين أنني هي، فاعتدت أنا وأختي أن نسلم على أي شخص يلقي بالتحية، حتى وإن لم نكن نعرفه بحكم أنه في الغالب يعرف أختي ويظنني هي أو العكس.
لكن كلما كبرنا دائمًا ما يظهر اختلاف أكبر علينا، حتى أننا لم نكن متشابهين في صغرنا مثلما كنا نعتقد، وهذا ما أظهرته دراسة نُشرت في مجلة "Nature genetics"، ذكرت فيه أن التوائم المتطابقة ليست متطابقة تمامًا جنينيًا، كما كان يُعتقد، بل قد يحملون فروقات جينية طفيفة، مما يعني أن تأثير البيئة قد يُحدث اختلافات بين الطفل التوأم بمرور الوقت.