داخل مصنعها الصغير، تنهمك هاجر أحمد، عشرينية، في تحضير الفواكه المجففة لشهر رمضان، تفرز شرائح المانجو والتين والمشمش بعناية، تنثر عليها القليل من السكر، ثم ترصها على الأطباق لتجف ببطء. أصابعها السريعة تعرف طريقها بين الحبات، كأنها تحفظها عن ظهر قلب.
ورغم التعب الذي يكسو ملامحها، إلا أن عينيها تشعان بالرضا، فهي تعرف أن فواكه رمضان المجففة التي تصنعها ستجد طريقها إلى موائد العائلات، وتضفي نكهة حلوة على أمسياتهم الدافئة.
بداية مشروع هاجر
تقطن هاجر في محافظة سوهاج، وتدير مشروع فواكه مجففة يزدهر الإقبال عليه خلال شهر رمضان، إذ إنها تختلف عن الياميش في طريقة التحضير والاستخدام، فرغم أنهما يشتركان في كونهما عنصرين أساسيين على موائد رمضان، إلا أن لكل منهما طابعه الخاص.
الفواكه المجففة، مثل التين والمشمش والمانجو، تُجفف بطرق طبيعية للحفاظ على نكهتها وسكرها الطبيعي، وتُؤكل كما هي في رمضان، أما الياميش، فهو مزيج من المكسرات والفواكه المجففة معًا، ويشمل البندق واللوز والزبيب وجوز الهند، ويُستخدم غالبًا في تزيين الأطباق وتحضير الخشاف.
أسست هاجر منذ العام 2017 مشروع تجفيف الفواكه، ليكون بديلًا صحيًا للوجبات الخفيفة المتداولة في الأسواق، تقول لـ"أهل سوهاج": "بدأت فكرة مشروعي من خلال مسابقة جامعية حول التجفيف، حيث استوحيت جزءًا من الفكرة من شقيقتي الكبرى، وكنت مهتمة بريادة الأعمال، مما دفعني إلى اتخاذ الخطوة وبدء مشروعي".
بالرغم من ضعف الإمكانيات المادية، لم تستسلم هاجر، إذ بدأت تدخر المال من مصروفها الجامعي، بمساعدة شقيقتها، لشراء الفواكه والأكياس اللازمة لها.
تحكي: "استخدمت أدوات بدائية في البداية، مثل التجفيف في الفرن وعلى البوتاجاز، بالإضافة إلى الصواني، لكن محاولاتي الأولى لم تكلل بالنجاح، إذ كانت معظم الفواكه تحترق، مما جعلني أعيد المحاولة مرارًا حتى أتقن العملية".
بعد ذلك، انطلقت هاجر في رحلة بحث مكثفة، تقضي ساعات في مشاهدة الفيديوهات وقراءة كل ما يقع بين يديها عن أساليب التجفيف، واستطاعت إنتاج فواكه بجودة متوسطة وطعم طبيعي، ومع الوقت، انتقلت من التجفيف داخل المنزل إلى التجفيف على سور البلكونة، ثم إلى سطح المنزل لتوسيع المساحة.
ومع محدودية الإمكانيات، لجأت إلى جيرانها الذين وفروا لها بلكونة أوسع، بل إن أحدهم صنع لها رفًا خشبيًا بغطاء لمساعدتها على التجفيف بمساحة أكبر.
زيادة الإقبال في رمضان
تقول: "في ذلك الوقت، لم تكن ثقافة الأكل الصحي منتشرة، ولم يكن هدفي مجرد بيع الفواكه المجففة، بل أردت أن أنشر الوعي حول أهمية التغذية الصحية في مجتمعي، وكنت أطمح إلى تعريف الناس بفوائد الفواكه المجففة، ليس فقط كوجبة لذيذة، ولكن كمصدر طبيعي للعناصر الغذائية، وتقديم بديل صحي للسكر، وشعرت أن مشروعي يمكن أن يكون له تأثير حقيقي".
أما في شهر رمضان، يزداد الطلب على منتجات الياميش التقليدية مثل التين والمشمش والقراصية، تقول هاجر: "ورغم أن الفواكه المجففة تُباع على مدار العام، فإن مشروعي في سوهاج يسعى إلى تقديم بديل صحي بجودة عالية، معتمدًا على تجفيف الفواكه الطبيعية دون أي إضافات صناعية".
يحظى المنتج بإقبال جيد خلال رمضان بسبب ارتفاع الطلب الموسمي، لكنه يواجه تحديات تتعلق بتقلبات السوق والظروف الاقتصادية التي تؤثر على قرارات الشراء.
لذلك، تحرص هاجر على تقديم العروض والتخفيضات خاصة في شهر رمضان: "أكثف العروض في رمضان كي أضمن أن الزبائن تلجأ إلى الفواكه المجففة وليس الياميش لذا الأسعار عندي تبدأ من 10 جنيهات، وأكثر الأنواع المباعة في رمضان هي المانجو والفراولة والتفاح".
وعن مراحل العمل تقول: "لا أعتمد في مشروعي على استيراد الفواكه المجففة، بل أصنعها بالكامل داخل مصنعي، أبدأ بشراء الفواكه الطازجة بعناية، ثم أفرزها وأغسلها جيدًا قبل أن تمر بمرحلة التجفيف والتعبئة، وصولًا إلى البيع".
تشرح أن هذه الطريقة تجعلها تتحكم في جودة المنتج، وتجعل مشروعها مختلفًا عن منتجات مشابهة في الأسواق، حيث تضمن تقديم فواكه مجففة طبيعية تمامًا، دون أي إضافات صناعية.
توضح هاجر أن الأسعار لا تُحدد بناءً على زيادة الطلب في موسم رمضان بل تعتمد على أسعار المواد الخام وتكاليف الإنتاج.
تقول: "أحرص على تقديم عروض وتخفيضات لتشجيع العملاء على تجربة المنتجات والاستمتاع بجودتها، وأطور وأضيف منتجات جديدة كل فترة لا سيما في موسم رمضان، والعام الحالي أنتجت مربى الفواكه المجففة والعصائر والشوكولاتة، لتقديم خيارات مبتكرة تلبي احتياجات المستهلكين".
تشرح هاجر: "عندما يأتيني عميل يرغب في تجربة المنتجات لأول مرة، أنصحه بأن يبدأ بتذوق الأصناف التي يفضلها عادةً أو يشتري عبوة صغيرة جدًا، حتى لا يتحمل تكلفة كبيرة إذا لم تعجبه بعض النكهات، بهذه الطريقة، يمكنه اكتشاف المنتجات تدريجيًا واتخاذ قراره بثقة".
يعتمد المشروع حاليًا على البيع الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب التعاون مع عدد محدود من منافذ البيع المحلية وفقًا لـ"هاجر"، التي تؤكد سعيها نحو التوسع وإطلاق عبوات تجارية مغلفة عليها علامة تجارية لها.
تطمح هاجر إلى توسيع مشروعها، والوصول إلى أسواق جديدة، وتعزيز ثقافة الأكل الصحي بين المستهلكين، ورغم أن رحلتها بدأت بفكرة صغيرة في مسابقة جامعية، إلا أنها اليوم تمضي بخطى ثابتة نحو تحقيق حلمها.