رحلة هاجر المراغي من الرسم بأقلام الماكياج إلى احتراف الفن التشكيلي

تصوير: رحمة أشرف - هاجر تعرض إحدى رسومها بمنزلها في سوهاج

كتب/ت رحمة أشرف
2024-08-21 11:22:15

بدأت القصة فور إصابتها بحمى شوكية بسبب ارتفاع درجة حرارتها، لتفقد النطق في عامها الأول، هاجر مصطفى المراغي، ابنة قرية الجلاوية بمركز ساقلتة بسوهاج، التي رفضت ارتداء السماعات اشتراها والدها، بعد أن حصل على قرض بنكي، لضيقها من استخدامها، لتُقرر خوض رحلتها الحياتية دون مساعدة.

تحكي والدة هاجر، أن بداية اكتشافها لموهبة ابنتها، كانت صدفة، حين استخدمت الطفلة أقلام الماكياج في عمر السنتين، لترسم هاجر بأناملها الصغيرة فتاة كاملة التفاصيل على إحدى حوائط المنزل، وهنا قررت ووالدها حمل مهمة تطوير تلك الموهبة على عاتقها، حتى تخرج إلى النور، فسارع والدها وقتها بشراء الألوان والأقلام وأوراق الرسم كي تطلق العنان لموهبتها.

رحلة الدراسة

يستكمل الوالد مصطفى حديثه عن "هاجر"، فيقول "عندما التحقت هاجر بمدرسة الأمل للصم والبكم للمرحلة الابتدائية في منطقة الحويتي بسوهاج، بدأت المدرسة تكتشف موهبتها في الرسم، من خلال الجداريات التي نفذتها أثناء تواجدها داخل المدرسة، واعتمدت الإدارة على هاجر في كل المسابقات المدرسية، إلى أن تفوقت هاجر وحصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية في مرحلة الثانوية العامة بالنسبة لمدارس الأمل المُخصصة للصم والبكم بنسبة 97% من قسم الزخرفة".

ويضيف المراغي قائلًا: "وقتها أصبح هدفي الوحيد إدخالها كلية مع الأسوياء، كان الأمر شبه مستحيل، بسبب رفض الكلية والجامعة قبول هاجر بحُجّة أنها صمّاء".

قدّمت هاجر لطلب قبولها في جامعة جنوب الوادي، ثلاث مرات بنفس العام، حتى استطاع والدها الحصول على قرار من المجلس الأعلى للجامعات بقبول دخول الصُمّ إلى الكليات المختلفة، إذ صدر عام 2014 ونُفّذ في العام التالي، لتلتحق هاجر بكلية التربية النوعية، قسم التربية الفنية بجامعة جنوب الوادي بمحافظة قنا.

نجاحات وصعوبات

ووفقًا لترجمة والد هاجر لحديثها لنا بلغة الإشارة، أكدت الشابة أن دخول الجامعة لم يكن نهاية العقبات، بل كانت بداية لعقبات جديد، إذ قررت في عامها الدراسي الأول أن تعيش بسكن للطالبات كي لا يُرهقها السفر، ولكن في العام الثاني نشب حريق فى السكن، وحُوّلت هاجر إلى التحقيق وطُردت من السكن.

واضطرت هاجر كطالبة جامعية أن تسافر يوميًا من سوهاج إلى قنا لثلاث سنوات برفقة والدها، تعلق هاجر قائلة: "كان يضطر إلى طلب إجازات من عمله لاصطحابي، فقد كان يعمل مُدرس لمادة الرياضيات بالأزهر، وفي العام الرابع من الدراسة، تمكّنت من إيجار مسكن خارج سكن الطلاب".

شاركت هاجر في أول عام لدراستها الجامعية بمعرض للطلاب الصم بكلية التربية النوعية بعد قبولهم بها للمرة الأولى، واقتصرت مشاركات المعرض بالكامل على أعمالها في عام 2018.

تكريم

وفي 2019 شاركت هاجر بالمعرض السنوي بجامعة جنوب الوادي، وتضمنت أعمالها في الفنون التشكيلية والنحت والخشب والخزف والأشغال، وبعض اللوحات التي كانت تستخدم فيها الشعر والصوف، بخلاف المعرض الذي أقيم في ٢٠١٨ الذي لم يتضمّن سوى رسومها بالفحم ونحتها لتمثال الطبيب محمد عبد الغفار مشالي،والملقب بـ"طبيب الغلابة" لعلاجه المرضى الفقراء بتكلفة منخفضة للغاية أو مجانية بمدينة طنطا، قبل وفاته في 2020.

حصلت هاجر على درع التميز والإبداع، من المجلس العربي الإفريقي للتنمية والتكامل التابع لهيئة الأمم المتحدة، وطالب السفير عماد طارق الجنابي، تنفيذ لجنة الثقافة بالمجلس لفيلم تسجيلي عن رحلة "هاجر" كنموذج فريد في المجتمع.

العائق المادي

يستدير المراغي نحو ابنته، فيما يبدو على وجهه علامات الحزن، مع ترجمته لحديثها بلغة الإشارة، إذ تقول :"على الرغم من كل هذه النجاحات، إلا أنني أواجه صعوبات من جانب آخر، فلا يزال العائق المادي يقف أمام أحلامي".

وتضيف قائلة: "والدي حاول قدر الإمكان توفير الأدوات الخاصة التي أحتاجها فى الرسم، فورقة الرسم الواحدة تُكلّف ثلاثون جنيهًا، والقلم يُكلّف خمسة وسبعين جنيهًا، وأنبوبة اللون الواحد الاكليرك تُكلّف خمسمئة وخمسة وثمانين جنيهًا، مما يجعله يُخصص ميزانية شهرية خاصة بي، لتغطية تكاليف تلك الأدوات، فالجامعة لا توفر لها أي أدوات خاصة بالرسم، ما عدا الطين الأسواني الذي توفره الجامعة".

تحلم هاجر بتنظيم معرضًا خاصًا تُقدّم خلاله لوحاتها وأعمالها الفنية على نطاق أوسع من الجامعة ومحافظة سوهاج، كما تتمنى تحقيق عائد مادي من لوحاتها والقطع الفنية التي تنتجها خلال المعرض.

تصوير: رحمة أشرف - هاجر المراغي ومجموعة من أعمالها داخل منزلها بسوهاج