مش_مجاني| السنتر غلب المدرسة!

أرشيفية

كتب/ت دينا عبد العزيز
2023-09-28 00:00:00

مش_مجاني | صباح السبت المقبل، تقرع المدارس أجراس الحصة الأولى، وتستعد مدرجات الجامعات لاستقبال طلابها الجدد والقدامى، وقبل أن تصيح صفوف التلاميذ "صفا وانتباه"، تصطف الأسرة المصرية فى مواجهة معركة موسمية طاحنة، تختلف كثيرًا عن سابقتها فى ظل ارتفاع تشهده كل مستلزمات تجهيز أبناؤها.

يقف أولياء الأمور أمام جبهات متعددة تقصف جميعها جيوبهم في آن واحد، بداية من المصروفات الدراسية ومستلزماتها والملابس والكتب والدروس، التي تشهد جميعًا ارتفاعات متلاحقة ما بين انخفاض الجنيه وارتفاع الدولار  ومآسي عمالنا فى ليبيا، ناهيك عن ارتفاع الاحتياجات المعيشية نفسها ما بين أجور وأغذية وسلع. 

فى هذا الملف نرصد كل الأصوات، الطلاب وأولياء الأمور والباعة، حيث يبحث الجميع عن كيفية تدبير عبورهم لأزمة، تتصدر فيها مشهد أساسي؛ التعليم .. مش مجاني.

"يا صباح الخير يا اللي معانا..الكروان غنى وصحانا"، بهذه العبارات التي كتبها الشاعر بيرم التونسي غنت كوكب الشرق أم كلثوم، وهنا أرى أمي تتذكرها وترددها حين تسمعها في الصباح عبر الراديو، فيما تقوم بإعداد طعام الإفطار وهو طبق الفول بالزيت الحار وقطع الطعمية الساخنة قبل الاستعداد ليوم دراسي طويل.

تنطلق أمي في الحديث وتروي لنا تفاصيل يومها الدراسي منذ زمن، حين كانت تدرس في الصف الثالث الثانوي، وتقول إنها لم تمر بكل هذه المعاناة التي يشهدها طلاب أيامنا.

كانت الثانوية العامة لأمي سنة عادية، تذهب إلى المدرسة وتذاكر دروسها، فيما لُقب الطلاب الذين يحصلون على دروس خصوصية خارجية بالـ"الفاشلين".

أما نحن الآن، فمن الممكن ألّا يذهب الطالب من الأساس إلى المدرسة ويعتمد طوال عامه الدراسي على الدروس الخصوصية أو "السنتر".

فمتى بدأت هذه اللعنة؟

أعتقد أن جيلي، وأنا قد انتقلت للتو إلى المرحلة الجامعية، بدأت منذ أن باتت مواعيد السنتر تتفوق على المدرسة، بدأ الأمر فى البداية أن تكون المواعيد عقب اليوم الدراسي، إلى أن انجررنا حاليًا لدرجة أن السناتر تبدأ فى الصباح الباكر، فلا يبقى أمام الطالب إما الذهاب إلى مدرسته أو السنتر. 

وبكل أسف أعتقد أن لعنة جيلي هو أنه بات لا يذهب إلى المدرسة، والاكتفاء بالاعتماد على الدروس الخصوصية.

والأمر لا يرتبط مثلًا بالهروب من الزحام والتكدس، فعدد الطلاب بالسنتر قد يصل إلى 200 طالب وطالبة في القاعة الواحدة، وهو عدد لا يصل إليه أي فصل بالمدرسة حتى وإن كانت شكوانا طوال الوقت من التكدس فى السنوات الأخيرة مع ارتفاع عدد الدارسين مقابل انخفاض عدد الفصول الدراسية لاستيعابهم.

كما لا يرتبط الأمر مثلًا بالهروب من الاضطرار للاستيقاظ مبكرًا؟.. فقد سألت كثير من الطلاب، والكل أجاب: “لا".. فمواعيد السناتر تبدأ من الساعة السادسة صباحًا؛ حتى يستطيع الطالب حضور أكثر من حصة.

كما أن الأمر لا يرتبط بالقدرة المادية، فالمدرسة أكثر توفيرًا ماديًا، بعض أصدقائي حكوا قصصًا عن أسعار خيالية لمصاريف العام الدراسي، بعضها تخطى مبالغ الدروس الخصوصية 70 ألف جنيه في العام، والكتاب الخارجي الواحد للمادة يتخطى 500 جنيه، وكتاب اللغة العربية مثلًا 600 جنيه؛ رغم إتاحة الوزارة الكتب الدراسية عبر موقعها، لأن الامتحانات أغلبها تأتي من كتاب الوزارة، مثلما قالت لي طالبة.

بل أن مدرسي السناتر يعتمدون بشكل أساسي على الكتب الخارجية، التي ارتفعت أسعارها والطلاب مضطرون لشراؤها.
أليس من الأفضل توفير كل هذه الأموال والرجوع للحياة الطبيعية والمدرسة؟

بحثًا عن الإجابة هنا الكل مُدان، فالمدرسين الذين باتوا لا يدّرسون فى المدرسة ويتعمدوا ذلك حتى يأتي إليهم الطلاب فى السنتر أو بعد المدرسة فى المجموعات الخصوصية، يتحملون المسؤولية.

وسقوط الأهالي وأبنائهم دون مقاومة في دائرة الاستغلال والجشع التجاري، عبر اختيار الدراسة في السنتر مع مدرسين يحددون مبالغ على حسب شهرتهم، وعلى عدد الأوائل الذين كانوا يدرسون لديهم، ويرسمون أحلامًا زائفة لطالب مسكين، والسقوط في دائرة الضغط النفسي والعصبي والمادي مثلهم كالطلاب، رغم توافر الحلول أمامهم، يتحملون المسؤولية.

والجهات المسؤولة التي ترى كل هذا الوضع قائمًا ولا نجد أي حلول فاعلة حتى الآن سواء على مستوى تحسين رواتب المدرسين الذين يتحججوا بأن لجوئهم للدروس الخصوصية تحسين لوضعهم المعيشي، أو على مستوى تفعيل العقوبات والجزاءات على المدرسين والسناتر الذين يعملون فى وضح النهار دون أي رادع، يتحملون المسؤولية.

ناهيك بالطبع عن بعض الأفكار المنطقية التي قد نغفل فى التفكير عنها، فمن المنطقي عدم تساوي وتكافؤ العقول والدرجات، فليس كل من اشترى كتابًا بـ 600 جنيه سيصبح الأول على الجمهورية، ولا حتى من ذاكر من المنصة سوف يعيد السنة مرتين، وكلها قواعد وقوانين نتبعها دون تفكير، ولا الطبيب أفضل من النجار ولا النجار أفضل من المهندس.

هكذا شرد ذهني أثناء حديث أمي، التي أنهت كلامها عن رحلتها في الثانوية العامة، ناصحة أختي الصغيرة بالذهاب إلى المدرسة؛ لأنها تؤمن أن الخبرات الحياتية يمكن اكتسابها من المدرسة أيضًا بدلًا من الانغلاق والجلوس في المنزل.