مش_مجاني| قيمة الرواتب باتت النصف ومصاريف الدراسة قفزت الضعف.. والأهالي: نفذت ميزانياتنا

تصوير: مؤمن مسعد

كتب/ت مؤمن مسعد
2023-09-28 00:00:00

مش_مجاني | صباح السبت المقبل، تقرع المدارس أجراس الحصة الأولى، وتستعد مدرجات الجامعات لاستقبال طلابها الجدد والقدامى، وقبل أن تصيح صفوف التلاميذ "صفا وانتباه"، تصطف الأسرة المصرية فى مواجهة معركة موسمية طاحنة، تختلف كثيرًا عن سابقتها فى ظل ارتفاع تشهده كل مستلزمات تجهيز أبناؤها.

يقف أولياء الأمور أمام جبهات متعددة تقصف جميعها جيوبهم في آن واحد، بداية من المصروفات الدراسية ومستلزماتها والملابس والكتب والدروس، التي تشهد جميعًا ارتفاعات متلاحقة ما بين انخفاض الجنيه وارتفاع الدولار  ومآسي عمالنا فى ليبيا، ناهيك عن ارتفاع الاحتياجات المعيشية نفسها ما بين أجور وأغذية وسلع. 

فى هذا الملف نرصد كل الأصوات، الطلاب وأولياء الأمور والباعة، حيث يبحث الجميع عن كيفية تدبير عبورهم لأزمة، تتصدر فيها مشهد أساسي؛ التعليم .. مش مجاني.

بعيدًا عن ضغوط الدراسة، لبداية العام الدراسي فرحة معتادة، لدى طلاب قد يكون هذا عامهم الأول، أو مراحل دراسية أكبر. الزي الجديد، الحقيبة والحذاء، وأدوات الدراسة، ومقابلة الأقران بالتأكيد. لكن يكسو هذه المشاهد هذا العام هم عام، يعيشه رب الأسرة سواء الأب أو الأم، في كيفية تدبير احتياجات دخول المدارس أو حتى كيفية استكمال أيامهما بعد نفاد نقودهما على شراء المستلزمات التي قفزت تقريبًا هذا العام ما بين 50% إلى الضعف، وفقًا للمراحل الدراسية المختلفة.

يعمل السيد أحمد، 40 عام، في إحدى مصانع الاستثمار جنوب بورسعيد، يفكر في نفقات الدراسة، ويتحدث.

"أنا رب أسرة مكونة من ستة أفراد؛ أنا والأم وأربعة أولاد، ولدين في المرحلة الابتدائية وآخر في الإعدادية والأخير حديث الولادة، لم أحصل على زيادة في الراتب الشهري منذ أكثر من عامين، وبعد التعويم وزيادة أسعار جميع السلع قيمة راتبي انخفضت إلى النصف، وفي ظل هذه الظروف اقتراب موسم المدارس يضغط نفسيًا عليّ"، هكذا قال السيد.

ولتدبير نفقات المعيشة تعمل أيضًا زوجة السيد، لكن كل هذا لم يكف، يقول: "حاليًا راتبي وراتب زوجتي لا يكفي لاحتياجاتنا الأساسية لآخر الشهر، وبالرغم من أن المصنع الذي أعمل به يصرف بدلًا سنويًا قدره 2000 جنيه لمصروفات المدارس، لكنني أحتاج إلى أضعاف هذا المبلغ لألبي جميع احتياجات أبنائي من أدوات مدرسية ودروس خصوصية وزيّ مدرسي، مع قرب دخول العام الدراسي أشعر بالخوف، وليس لديّ حيلة سوى الدعاء بالستر".

ويحتاج "السيد" إلى 3000 جنيه لسداد مصروفات ابنه الطالب في الشهادة الإعدادية مع بداية العام فقط، بينما يحتاج 2000 جنيه لتلبية احتياجات كل ابن من الطلاب في الصف الثالث والرابع من المرحلة الابتدائية، ولهذا يخشى من زيادة أخرى في الأسعار خلال العام الدراسي ويقول: "حاليًا وبعد حجز الدروس الخصوصية ميزانيتي خلصت ولا نقود لشراء الأدوات والمستلزمات المدرسية ولا أعلم كيف أدبرها".

وتابع: "أدركت أن موسم المدارس بدأ في سبتمبر، تحديدًا عندما طلب مني ابني الأكبر مصاريف حجز الدروس الخصوصية، وكان سعر المادة الأدبية 100 جنيه، بينما العلوم والدراسات الاجتماعية 150 جنيه، ولم أشعر بالمفاجأة من طلب للمصاريف مبكرًا، لأن معظم المدرسين يشترطون حجز الدرس بعد دفع شهر مقدم، بالإضافة إلى سعر الملزمة 100 جنيه على الأقل، والتنبيه على شراء الكتاب الخارجي الخاص بالمادة لكي يسمح المدرس للطالب بحضور الحصة".

وذكرت شعبة الأدوات المكتبية باتحاد الغرف التجارية في وقت سابق أن أسعار الكتب الخارجية هذا العام ربما ستشهد ارتفاعًا عن العام الماضي بنسبة 40%؛ مما أثار ردود أفعال واسعة ومطالبات لوزارة التربية والتعليم بالتدخل للسيطرة على الأسعار.

وتأثرت الحركة الشرائية للطلاب وأولياء الأمور عن الأعوام السابقة، وباتت الأسر مضطرة إلى شراء نصف الكمية أو اللجوء لشراء الكتب المستعملة، لكن الجميع لا يجد مفرًا من من الشراء حرصًا على استمرار العملية التعليمية لأبنائهم.

وسجلت الأدوات المدرسية ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، إذ وصل سعر الآلة الحاسبة لـ 900 جنيه، والاستيكة الفايبر سجلت 8 جنيهات، واستيكة الفحم 15 جنيه، والأقلام الرصاص الفايبر 5 جنيهات، والألوان الخشب الفايبر 35 جنيه، وقلم الجاف بين 5 و10 جنيه، وألوان جواش 140 جنيه، وغيرها من الأدوات المدرسية، بحسب ما رصدته "البورسعيدية". 

وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن معدل التضخم السنوي في مصر، قفز خلال أغسطس الماضي بأعلى من المتوقع، وسجل مستوى غير مسبوق بلغ 37.4 %، مقابل 36.5 % في يوليو 2023، وأدى التضخم إلى قفزات كبيرة للأسعار خاصة مع خفض قيمة الجنيه المصري ثلاث مرات بداية من مارس 2022.

وهذه الأسعار تفوق قدرة أسر كثيرة، من بينهم أسرة "ر.ص" 35 عام، تقول "ظروف المعيشة أصبحت صعبة، أنا ربة منزل لديّ ولد وبنت في المرحلة الإعدادية، زوجي يعمل سائق تاكسي، ويتراوح دخله اليومي ما بين 200 و250 جنيه، أنا اللي ماسكه مصروف المنزل وبقسمه جزء للطعام وآخر للفواتير الشهرية، وإذا تبقى شيئًا ندخره لأي ظروف طارئة أو لمصاريف المستلزمات الدراسية".

وتحتاج "ر" لـ 4000 آلاف جنيه لسداد احتياجات ابنها وابنتها التوأم، وهما في الصف الثاني الإعدادي مع بداية العام فقط.

 وانضمت "ر" لمجموعات على "فيس بوك" بحثًا عن حلول لتخفيف مصاريف العام الدراسي منها مجموعة بعنوان "كتب خارجية مستعملة للبيع"، تعرض الكتب للعام الماضي بسعر مخفض عن ثمنه الأصلي، تقول: "الفكرة نجدتني من ميزانية الكتب العالية، حيث أبيع الكتب القديمة وبالمبلغ ذاته أشتري الكتب الخارجية التي يحتاجها أولادي".

وتضيف "ر": "لا يوجد لدينا رفاهية للإنفاق على الدروس الخصوصية، ربيت أولادي على الاعتماد على أنفسهم في المذاكرة والرجوع ليّ يوميًا لمساعدتهم في أي معلومات تقف أمامهم، كما استخدم اليوتيوب لمشاهدة شرح المناهج الدراسية، ويكفي فقط الإنفاق على شراء الأدوات المدرسية التي نقوم بشرائها أسبوعيًا على مدار العام الدراسي بسبب تلفها سريعًا".

ولا يتوقع محمد الداوي، 65 عام، انفراجة قريبة في أزمة الأسعار، يقول: "قبل سن المعاش كنت أعمل بشركة القناة لرباط وأنوار السفن، ولدي ولدين الأصغر في مرحلة الشهادة الثانوية والآخر خريج كلية الهندسة، لم أشعر للحظة بأزمات مالية عندما كان ابني الأكبر في الثانوية العامة في عام 2015، كان الوضع أكثر استقرارًا والراتب 3500 جنيه ويكفي لتغطية جميع احتياجات المعيشة".

الآن يتقاضى محمد 3000 جنيه معاشًا شهريًا، وتساعده زوجته في تفصيل الملابس وبيعها للجيران والأقارب، ويحتاج إلى ضعف المعاش شهريًا ليكفي ميزانية ولده.

ويضيف: "ابني طالب في الشعبة العلمية بدأ الدروس الخصوصية شهر أغسطس الماضي، في جميع المواد الدراسية، ويتراوح سعر الدرس من 200 إلى 400 جنيه شهريًا حسب المادة ورأفة المدرس، ويحتاج إلى ملازم وكتب خارجية شهريًا لا تقل عن 1000 جنيه، بالإضافة إلى مصروفه الشخصي يوميًا ليشتري وجبة بين الدروس أو التنقل عبر المواصلات".

ويحتاج "محمد" لـ 10 آلاف جنيه لسداد احتياجات ابنه الطالب في الثانوية مع بداية العام فقط.


 
وبدأت أسرة “محمد” في إيجاد حل لمواجهة هذه الأعباء يحكي: "من العام الماضي قللت النفقات غير الضرورية مثل الفسح والمصيف، واشتركت مع زوجتي في جمعية مالية من شهر يناير الماضي، بمبلغ 1000 جنيه شهريًا تسدد على 20 شهر".

ولا يعد اقتراب موعد العام الدراسي بعد أيام فرصة لالتقاط الأنفاس، إذ لازال "السيد" حائرًا حتى الآن في تدبير مبلغ احتياجات أولاده في العام الدراسي، بينما حسمت "ر" قرارها بمنع أولادها من حضور الدروس الخصوصية لكي تلبي باقي المصروفات، ولا يعلم "محمد" حتى الآن بعد نَفَاد مبلغ الجمعية هل سيصمد أمام هذه الأعباء حتى نهاية العام أم لا".