رائحة كورونا

تصميم: باسم حنيجل

كتب/ت مريم أشرف
2024-02-03 00:00:00

إلى شبح رائحة الكحول والكمامات التي انتشرت في الهواء.

البكاء في ركن خاص في الميكروباص، دون أن يراك شخص وأنت في طريقك للعمل، حتى تكون ترسا في آلة الرأسمالية، التي تضرب ولا تبالي بمشاعرنا، بعد أن تكون دفعت نصف راتبك في المواصلات، كانك ناقل بين خزانة العمل وسائق المكروباص، مجرد ناقلة مال على شكل إنسان.

تركتك الرأسمالية جريحًا على الطريق، رغم أن المستشفى كانت تبعد عن بأمتار قليلة، بحثت عن دواء لحالتك، لكن العلم والطب لم يتطور ليفهم حالتك، وولدت أنت في وقت خاطيء، وقت وباء عالمي يشكل التاريخ، كنت تسمع عنه في حصص التاريخ، أنه ساهم في موت ملايين في زمان يبعد عن تاريخ ميلادك بقرون، لكن الجديد أنك ستكون حديث القرون القادمة.

في يوم 24 مارس2020، قررت رئاسة الوزراء، بحظر حركة العمل في جميع المجالات لمدة اسبوعين، للوقاية من فيروس كورونا، وحظر تجول من 5 مساءً حتى 6 صباحًا، بعد انتشر فيروس كورونا في مصر، بعدما كان بدايته في الصين ب ديسمبر 2019، واستمر الحظر حتى نهاية شهر يونيو 2020، من بعدها عادت الحياة تدريجيًا مع التشديد على الاجراءات الوقائية وتوفير وزارة الصحة جرعات لقاح كورونا للمصريين خلال باقي شهور العام.

أنا وأنت الناجيين من وباء كورونا، نعيش بعقدة الناجي منها ومن حرب السودان وقصف غزة ودمار سوريا، نحن الناجين الذين يجب أن يشكروا الحياة على النجاة دون تذمر، دون اعتراف بأن الحياة تغيرت من وقت دخول اللقاح عروقنا، كأن اللقاح كان بداخله مادة مخصصة لتغير طعم الحياة، مادة مليئة بارتفاع الأسعار والتعويم والقلق.

افتقد القاهرة برائحتها القديمة، التي غيرتها رائحة الكحول، افتقد أحلامي وأكره من عبروا عليها دون معذرة أو نعي، احلامي التى فقدتها داخل حجر كورونا، والشهور العجاف التى كانت برعاية الملل والبكاء ومحاولة صنع طيارة ورق لتطير على سطح منزلي، منزلي الذي تغير بناءه منذ 2020، فاصبح مبني بالقلق والأسمنت، القلق على كبار السن من "دور برد" كان يشكل لنا قرص مضاد حيوي ومشروب الزنجبيل، لكنه اصبح الآن يشكل حياة أو موت، فنحن عائلة فقدت عدد منها بسبب كورونا.

"دور برد غير العالم" لو كان أخبرني شخص منذ سنوات أن دور برد كان قادر على تغير العالم، كنت اعتبرته احمق، أو خياله واسع، ونصحته بأن يتجه إلى الكتابة الإبداعية وكتابة الدراما، لأنهم القادرين على احتواء خياله، ولكن العالم والقدر خذلوني، فكانوا أكثر درامية وإبداع من كل الفنون، فأن يجعل حياتنا تتغير تمامًا بسبب مرض كنا نعتبره أليف نتعايش معه في العمل والدراسة.

اتذكر حين كنت في المدرسة، كنا لحظة معرفتنا أن طالب\ة من الفصل اصابوا بـ "دور برد"، كنا نعلم أنه سيأخد رحلة بين كل طلاب الفصل، واولياء امورهم وسينتشر "دور البرد" حتى نهاية شهر فبراير وبداية دخول فصل الربيع، وانتهاء الفصل الدراسي، وتكون هذه دائرة مألوفة داخل أغلب المدارس، ومصير حتمي لذلك المرض أليف.

أفتقد شعور الأمل والأدينارلين في عروقي، أفتقد حماسي وأنا أغني وأرقص في حفلة لفرقتي المفضل نوفمبر 2019، وأنا لا أعرف أن مصيرًا مختلفًا ينتظرني بعد أشهر قليلة، حتى هذا الفرقة لم يصبح لمفضل بعد كورونا، الحياة تغيرت بعد كورونا، لم تصبح سوداء ولا بيضاء، بل أصبحت رمادية دون معني أو فكرة، يشبه تغير مصير "أوديب" بعد معرفته بالنبوءة، قتل والده وتزوج أمه، لكننا في موقف أسوأ من أوديب، فقد كان لديه الاختيار بفقء عينيه، لكننا يجب أن نحافظ على عينينا حتى نستكمل الحياة ونواجه الرأسمالية.

"مزج بين الرأسمالية والخوف من المستقبل" هذا هو وصفي للحياة بعد كورونا، وأظن هذه الحياة بعد كل وباء عالمي، كنت أتمنى أن نجد روايات على السن معاصرين "الانفلونزا الإسباني" و "الطاعون"، لذلك أنا أروي روايتي مع كورونا، لأني مللت من شعارات التعافي والصحة النفسية، ونقطة الصفر التي احتضنها كل ليلة، لاعترف أن الحياة الرمادية مصيري دون إنكار، وأني افتقد الحياة ما قبل عاصفة كورونا.