ملحمة "فاي" .. كيف حول "الأفيال" هزائمهم إلى انتصارات؟

تصوير: موقع فليكر - صورة أرشيفية

كتب/ت مريم أشرف
2024-02-15 00:00:00

 

بملامح هادئة وبشرة سمراء، ولد "ايمرس" في يناير 1984 داخل مدينة نانت الفرنسية. وداخل أوروبا، نشأ الطفل ذو الأصول الأفريقية حاملًا لجنسية كلًا من ساحل العاج وفرنسا، حتى بلغ الخامسة عشرة واحترف كرة القدم مع نادي "اتحاد سان أنيه" ومنه إلى "نايت" الفرنسي.

الآن يعلم الجميع الديك الفرنسي "إيمرس فاي"، المدير الفني لمنتخب كوت ديفوار، بعدما حفر اسمه بحروف من ذهب خلال بطولة كأس الأمم الأفريقية الأخيرة، إذ استطاع فريق الأفيال بقيادته التتويج بلقب البطولة الأفريقية للمرة الثالثة في تاريخه بعد الفوز على منتخب نيجيريا في المباراة النهائية بهدفين مقابل هدف.

ورغم أن البطولة مقامة على كوت ديفوار، إلا أن فوز المنتخب بالبطول فاق التوقعات؛ فالفريق كان على أعتاب الخروج من البطولة، بعد الهزيمة الكارثية على يد غينيا الاستوائية برباعية، لكن نتائج المجموعات الأخرى أنقذت الأفيال من الوداع المبكر.

دخل فاي البطولة مدربًا مساعدًا، انضم للجهاز الفني للمنتخب منذ مايو 2022 ضمن جهاز فني يقوده الفرنسي جان لويس جاسيت، وخرج منها مدربًا أساسيًا للفريق وحاملًا للبطولة، وبين هذا وذاك، لا يبدو أن فوز المنتخب هو الأمر الوحيد الذي اختلف عن توقعات المتابعين للفريق، بل أيضًا لفاي نفسه.

فلم يكن كوت ديفوار المنتخب الوحيد الذي لعب له "فاي"، ففي 2005 سمحت قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم له بتغيير قميص فرنسا الأزرق بآخر برتقالي ينتمي لنادي ساحل العاج، ليبدأ لاعب نادي نانت الفرنسي مشواره مع بلده الأم بالوصول إلى نهائي كأس الأمم الإفريقية 2006 والخسارة على يد حسن شحاتة ومنتخب مصر.

وبعد المشاركة في كأس العام 2006، مرتديًا قميص ساحل العاج لاعبًا، اضطر "فاي" إلى تعليق حذائه وإعلان اعتزاله لتكرار إصابته بجلطات بوريد القدم.

وكانت إقالة المدرب الفرنسي جان لويس جاسيت نقطة التحول قبل نهاية منافسات دور المجموعات من كأس الأمم الأفريقية، فبعدما كان مدربًا مساعدًا تولى منصب المدير الفني لمنتخب بلاده كوت ديفوار بصورة مؤقتة، في محاولة لانقاذ المنتخب من كابوس خروجه من البطولة بعدما حل ثالثًا في مجموعته، وانتهت لقاءاته بخسارة مذلة بـ4 أهداف أمام منتخب غينيا بيساو.

وفي حين أجزم الجميع أن ساحل العاج ودعة البطولة المقامة على أرضها بفضيحة، سعى "فاي" وفريقه ليتبدل حظه العاثر وينجو من الخروج بمعجزة، ويصعد من الباب الصغير كواحد من المنتخبات صاحبة الترتيب الثالث بالمجموعة.

كوابيس جلطات "فاي" والخروج المذل على يد "جين لويس" لم تكن المعجزات الوحيدة التي تحققت في أبيدجان 2024. القصة بدأت منذ اختيار الاتحاد الإفريقي لساحل العاج كمنظم للبطولة، ليقف موسم الأمطار الغزيرة عائقًا أمام تنظيم البطولة في موعدها بيونيو 2023.

كما أن حالة الضغط التي تعيشها كوت ديفوار قبل البطولة وخلالها، مع اقتصاد نام يعتمد على قطاع الزراعة، بسبب ميزة موسم الأمطار الكثيف، بينما يعتبر الدولار الأمريكي مقابل الفرنك الغرب أفريقي وهي العملة الرسمية لساحل العاج، يساوي الدولار الواحد 609 فرنكات أفريقيا، مما يكون مؤشر واضح على الاقتصاد في كوت ديفوار.

بينما مباراة النهائي، التي انطلقت على ملعب "ملعب الحسن واتارا" الشهير بملعب "لبيمبي الأوليمبي"، وهو الملعب الأكبر في كوة ديفوار من حيث المساحة وعدد استيعاب الجمهور، وكان يوجد مشكلة في الأرضية التي كانت عشبًا طبيعيًا فقط، ولا تتناسب مع طبيعة الطقس الممطرة مع وجود خطر واضح لإصابة اللاعبين.

ورغم الصعاب الاقتصادية والكروية، حاولت كوت ديفوار النجاة بأكبر ملعب لديها، إذ أغلق الملعب حتى عام 2023، للاستعداد لبطولة كأس الأمم الأفريقية، وتم رفع جودة الأرضية إلى عشب هجين بداخله ألياف صناعية حتى يكون أكثر أمانًا للاعبين، وتلتقي كوت ديفوار مع نيجيريا في نهائي البطولة على أرض الملعب.

يطلق "دحان بيده" الحكم الموريتاني، صافرة انطلاق الشوط الأول من مباراة نهائي المعجزة يحقق المنتخب النيجيري الأسبقية في الشوط الأول، وينجح "فرانك كيسيه" في إحراز التعادل في منتصف الشوط الثاني.

وعلى طريقة السويدي "إبراهيموفيتش" في ركلات "الكاراتيه" يغمز "هالر" مهاجم كوت ديفوار الكرة، الذي أصيب بسرطان الخصية لتستقر بالشباك قبل دقائق من نهاية المباراة.

وكأن القدر يكافئ الناجون من المعاناة، مريضا أقعدته الجلطات على مقاعد المدربين، وآخر كاد السرطان ينهي حياته، بـ"وشمان" لكوت ديفوار التي حصدت نجمتها الثالثة على القميص البرتقالي.

إحراز كوت ديفوار الهدف الثاني بالمباراة النهائية، مقابل هدف واحد من نيجيريا، يعلن حصولها على البطولة، وفي مشهد حميمي يحتضن بعض اللاعبين ومديري الجهاز الفني "ايمرس فاي"، لدرجة أنه يقع على الأرض، وتبدو كحالة من الامتنان على إنقاذه لموقف المنتخب في اللحظات الأخيرة، لتكون البطولة وكأنها لـ"ايمرس فاي" مدرب اللحظات الأخيرة.

حصول كوت ديفوار على البطولة، هو مشاهدة لواقع كوت ديفوار الاقتصادي والسياسي والكروي، الذي قد يجعل من البطولة فرصة لتسليط الضوء على وضعها وملاعبها التي حاولت جاهدة توفيرها، وكذلك إعادة لسيناريو نجاح المدرب الوطني الذي تبنته مصر أخيرًا بتعيين حسام حسن مدربا للمنتخب المصري.