تحرّكت فتحية من سريرها باتجاه باب الغرفة، حاولت أن تغلق الباب دون صوت، حتى لا تستيقظ ابنتها؛ فاليوم هو أول يوم بإجازتها الصيفية من المدرسة، تمنت فتحية أن يكون لديها فرصة الإجازة الصيفية، ولكنها تمنتها إجازة من العالم والمسئوليات.
غسلت وجهها سريعاً، ونظرت إلى أسنانها التي كادت أن تبلى من التسوس، تذكرت كيف كانت تحبها وترى أنها أفضل ما تملك في وجهها، وكانت تتمنى أن تحافظ عليها، تمنّت لو كان لديها مال أكثر لكي تهتم بأسنان ابنتها التي لمحت فيها تسوسًا منذ أيام.
اطمأن قلبها عندما تذكرت نصيحة "أم أميرة" جارتها التي نصحتها بأن تغسل أسنان ابنتها بكربونات الصوديوم والليمون، وأخبرتها أن الممثلين والممثلات يملكون أسنانًا ناصعة البياض بسبب هذه الوصفة.
ارتدت عباءتها وطرحتها السوداء، وخرجت من الشقة وأغلقت الباب ووضعت قفلا كي تطمئن، تحرّكت لتبدأ يومها وهي تتمتم بأذكار الصباح، وسلكت شارع "مُجمَّع الأديان"؛ طريقها لمحطة المترو لأنه الشارع الوحيد الذي يصل بين بيتها والمحطة، وأثناء مرورها ترى الاهتمام والانبهار في أعين زائري الشارع مثل كل يوم تمر فيه منه، إلّا أنها تمنّت اليوم لو كانت قطعة من هذه الآثار حتى تتلقى هذا الاهتمام والانبهار، وتمنّت لو كان زوجها ينظر إليها بهذا الاهتمام، تمنّت لو تعرف مكانه وتذهب إليه بدلاً من أن تذهب إلى العمل.
تصل المحطة ويلمحها "عم محمد" وهو ينظف سلّم المحطة، ويجعلها تعبر ماكينة المرور دون أن تدفع ثمن تذكرة، فهو مازال يتذكر أطباق "المسقّعة" والفول التى كانت تعدها في البيت وتعطيها له كل صباح وقت أزمته المالية وطرده من العمل.
تركب أول قطار رغم الزحام، تذهب لتقف بجانب مجموعة من السيدات لكى تشعر بالأمان، فرغم أنها ثلاث محطات فقط لتصل محطة "سعد زغلول" حيث مصنع الملابس الذي تعمل فيه، فإن الوقوف بجانب سيدات في المترو يعني يوما إضافيا دون تحرش.
يزداد الزحام وتقفز لعقلها ذكرى يوم هروب زوجها؛ الذي كان فيه المترو مزدحما، وكانت تقف بجانبه بالقرب من باب العربة، ومع زحام وتدافع الناس في محطة "أنور السادات"، نظرت بجانبها ولم تجده، ومن يومها لا تعرف عنه شيئا وقد بحثت عنه في كل مكان.
تبدأ في البكاء عند اكتشافها أن محطتها قد فاتتها، وأن السيدات تركنها وذهبن ليجلسن بنهاية العربة، وتسمع الصوت المُسجَّل بالعربة يقول "المحطة التالية محطة أنور السادات".